مرآة في الجيب

948

نرمين المفتي /

ما أزال اتذكر تلك المرآة التي كانت في مدينة الألعاب، أقف أمامها وأنا الصغيرة وتظهرني كبيرة، وفي الفيزياء، في المرحلة الإعدادية، درسنا أنواع المرايا المستوية والمحدَّبة والمقعَّرة وطريقة صنعها وآلية عكسها للصور وسألت المدرسة عن تلك المرآة وقالت إنَّها الخادعة وليست ضمن المنهج الدراسي وشرحت لنا طريقة صنعها وأنَّها غالباً ما تستخدم في مدن الألعاب للمتعة. دفعتني صفة (الخادعة) إلى إعلان إعجابي الدائم بالمرآة الصريحة في قصة (بياض الثلج – الأميرة – والأقزام السبعة)، حين حاولت زوجة الأب قتل الأميرة الصغيرة لجمالها، واستمرت تسأل مرآتها يوميا هل “هناك امرأة أجمل مني؟” وكانت تجيبها “أنت جميلة جدَّاً لكن بياض الثلج أجمل منك”، وبقية القصّة معروفة وعودة بياض الثلج إلى المدينة أميرة مرَّة أخرى لم تكن بسبب قبلة الأمير ونجاح الأقزام السبعة بإنقاذها فقط؛ إنما بسبب صراحة المرآة.
يبدو أنَّنا بحاجة إلى مرآة حقيقية في كل مكان، بعد أن أصبح بعضهم من محبي المرآة الخادعة التي جعلتهم يصدقون الحجم الكبير الذي تعكسه لهم وبدؤوا يتصرفون استناداً إلى هذه الصور الكاذبة وتوهموا أنَّهم الأفضل، لن أشير إلى سياسيي الصدفة والأصوات التي أوصلت البعض إلى الامتيازات، إنما أحاول الإشارة إلى هذه الفوضى التي تسبّبت بازدياد عدد حاملي المرايا الخادعة وأصبح أحدهم يتحدى مديره في الدائرة، فقط لأنَّه يرى نفسه الأفضل وحوله من ينفخ به، محبة أو نفاقا، ليؤمن نهائياً بأنَّ الجميع وبينهم المدير يجب أن يستمعوا إليه وينفِّذوا له ما يريد والّا، وضمن هذه الـ (الّا) تصرفات عدّة يلجأ إليها، هناك من ينتبه قبل فوات الأوان ويفزّ من أوهامه ويعود إلى حجمه الطبيعي ويؤمن أن دبوساً صغيراً ينجح بسهولة بتفجير بالون كبير فقط لأنَّه لم يكن مملوءاً سوى بالهواء، وهناك من يصرّ على مرآته الخادعة وقطعاً حين تهدأ الفوضى سيجد نفسه وحيداً.
جميعا، ننظر إلى المرآة قبل أن نغادر البيت إلى العمل أينما كان، لنطمئن أنَّ وجوهنا ليست متعبة كي يتحملنا الآخر الذي معنا ونريح أنفسنا، فالوجوه المتعبة تصبح محل سؤال؛ سواء محبة أو شماتة، فضلا عن كونها تبعث بالملل في العمل، ولا أضيف جديداً إن قلت بأن غالبية النساء تحمل مرآة في الحقائب اليدوية، لكن نصيحتي أن نحمل جميعاً مرآة صادقة في حقائبنا وجيوبنا وفي اللحظة التي نشعر بها بخلل بأحجامنا بسبب نجاح ما أو مجاملة ما، ننظر إليها فوراً وإن كنّا أسوياء ففي اللحظة التالية نعود إلى أحجامنا، وليت قصص الطفولة تكون واقعاً ونجد تلك المرآة الصادقة التي أعادت إيزابيلا، زوجة أب بياض الثلج، إلى الواقع..