بعد التغيير الوزاري!
حسن العاني/
أعترفُ إنني مدين للشاعر العظيم (بابلو نيرودا)، فمنذ قرأت مذكراته، عشقتُ هذا النوع من الكتابات التي تقترب الى حد كبير من فن الرواية، ولا خلاف على إن نجاح أية مذكرات، يكمن – زيادة على براعة كاتبها- في مدى جرأتها ومصداقيتها، وتجاوزها للخطوط الحمر التي أبعدت الكثير من قاماتنا الابداعية عن تسجيل مذكراتها، حياء من المجتمع، أو خوفاً من العشيرة، وكواتم الصوت التي لا تؤمن بشيء مثل إيمانها بالمسكوت عنه..
لعل واحداً من أجرأ المحاولات وأمتعها في هذا المجال، هو الكتاب الصادر في مصر عام 1964، تحت عنوان (أوهام الكراسي)، وهو في حقيقته سيرة ذاتية لوزير مصري، أمضى على حد قوله عامين في كرسي الوزارة على عهد الملك فاروق، قبل أن يشمله (التغيير الوزاري) بعد سقوط الحكومة وتشكيل وزارة جديدة.. وأعتقد إنّ أهمية هذه المذكرات تكمن في شجاعة الوزير على سرد الوقائع، وكأنه شخص محايد يروي الأحداث كما هي، لا كما يحبُّ ويشتهي!!
يقول المؤلف في إحدى الصفحات “بعد إعفائي من المنصب، على إثر التغيير الوزاري، ذهبتُ صباح اليوم الثاني كالعادة إلى مكان عملي، كي أباركُ للوزير الجديد، وأقوم بتسليمه الملفات وبعض المتعلقات، إستقبلني مسؤول الحماية الأمنية – وهو الذي إخترته شخصياً لهذه المهمة- إستقبالاً غريباً، فقد أصرَّ على تفتيشي، مع إنني قانوناً مازلت الوزير الرسمي، حيث لم تجرِ مراسيم نقل السلطة، وحين حاولتُ إفهامه ذلك، ردّ عليّ بصوت جاف “معالي الوزير.. أنا أودي عملي، والحكومة التي تعملون معها إنتهت ولايتها، يعني معاليكم من غير ولاية!!” ووجدتُ من العيب مواصلة الحوار مع “إبن الوليه” هذا، فاسلمت نفسي للتفتيش!!”
ويواصل سرد تفاصيل ذلك اليوم (ولكن المفاجأة الأغرب، هي التي حصلت مع مدير مكتب الوزير الجديد – وهو نفسه مدير مكتبي-،وإنه لأمر مخجل أن اتحدث عن الجنيهات الثلاثة التي أعطيها له شهرياً من جيبي، لأن أسرته كبيرة، غير إنه يمنعني الآن من الدخول الى غرفتي، لأن الوزير الجديد وصل قبلي، ولم يتحرج عن مواجهتي بقلة أدب قائلاً: آسف معالي الوزير.. لقد حضر جنابكم من دون موعد مسبق!! فأي وصف يليق بهذا الحنش؟!”، وربما كان الموقف الذي ذكره المؤلف مع زوجه، هو أطرف ما تضمنته المذكرات.. يقول “كانت السيدة حرمُنا لا تسمح للسفرجي أن يعد الفطور الصباحي، بل تقوم بلحمها وشحمها باعداد المائدة، والوقوف على خدمتي، وقد لاحظت بعد مغادرتي الوزارة، إنها تبقى نائمة، وحين عاتبتها، ردّتْ عليّ بلهجة مبتذلة: معليش يخويه، إنت دي الوقت من غير صلاحية، يعني زي الدوا الأكسباير، ولما حضرتك ترجع وزير ح أخدمك بعنيّه!!”، ويختم المؤلف كتابه بالقول “لقد إكتشفتُ بأن حاشيتك وأتباعك يرسمون لك صورة وهمية عن منجزات وزارتك، بينما يتمنى لك المواطنون الموت العاجل!!” أتمنى على وزراء جنوب غرب آسيا بصورة خاصة، أن لا ينشغلوا بعد مغادرتهم المنصب، بجوازات سفرهم الدبلوماسية ومشاريعهم التجارية، وأن يستثمروا فرصة جلوسهم في البيت، ويكتبوا عن أوهامهم بشجاعة هذا الوزير، قبل أن يكتب الآخرون عن فضائحهم!!