الأربعون .. هجرة شعب إلى هدف مختلف
#خليك_بالبيت
د. علي الشلاه شاعر بابلي /
لم تكن فكرة المشي إلى كربلاء والوصول إليها مع أربعينية استشهاد الحسين بن علي مجرد شعيرة دينية أو إحياء ذكرى لإمام، بل كانت استمرارية ثورة لم يألفها تاريخ الثورات ولا حركات التحرر ولا التنظير السياسي للآيديولوجيات والأفكار عبر مسارها العالمي.
ورُبَّ مستغرب يتوهم أن هذه القراءة للحدث قراءة مبالغ فيها لفعل إسلامي مختلَف عليه في بيته وبيئته الأساس اعتماداً على شعور متوارث بالضِعة والنقص ساد العقلية العربية من أيام السلطنة العثمانية وما بعدها، فهم يقرأون الأحداث، وحتى الأساطير السابقة لكربلاء والإسلام زماناً منذ أيام البابليين والسومريين والفراعنة واليونان والرومان، ويؤطرونها بإطار الحداثة والمستقبل، ويعدّون المعرفة بها والاستشهاد برموزها فعلاً منفتحاً على التاريخ المضيء ومغنياً للتحليل، بل وصار هذا التاريخ مادة للآداب والفنون وحتى العلوم .
ولعل بعضنا يتوهم أن طريقته الدونية في النظر إلى كربلاء هي ذاتها لدى الأوروبيين والغرب بشكل عام، الذين يشكلون قدوته في العلوم والفنون والآداب وصولاً إلى الدراسات الاجتماعية والتاريخية ، لكن الحقيقة التي لايدركها هي أن الغرب ينظر إلى الأحداث الإسلامية بعين مختلفة نابعة من مفهوم كلي للحضارة الإسلامية المميزة والمختلفة عن حضارته، ويراها مرحلة متقدمة عن قرونه الوسطى وما سبقها.
إن ظاهرة هجرة شعب كامل إلى رمز ديني ثقافي سياسي كل عام، وبأعداد غفيرة لايحدّها البصر، ظاهرة مثار إعجاب ودراسة وتجذير لمفاهيم جديدة، وإن هذه الحضور المليوني وبتقنيات الصورة الحديثة، هذا الحضور المتكرر، قد أسهم في دفع فكرة الإرهاب والعنف عن الإسلام وإن احتاج الأمر إلى دراسات وترجمات مضيفة من جانبنا لكي لا تبقى الصورة المرادة من الحدث ناقصة .
ولعل ملايين مسيرة الأربعين، الذين يؤطرون المفاهيم ويعززون الشعور الجمعي بالمشترك الحسيني، سيغيرون، إن لم يكونوا قد غيروا فعلاً طريقة النظر إلى الذات والآخر، وإن فكرة الأوطان المتقاربة المتسامحة قد تحققت إلى حد كبير بفعلها. وسترى السنوات المقبلة تغييرات أخرى وأخرى، ومن أراد أن يقلق فليقلق منذ الآن، لكن بطريقة علمية سلمية لأن مسيرة الأربعين هجرة شعب كامل نحو مفاهيم جديدة وأهداف مختلفة.