جريدة الكلب!
عامر بدر حسون/
في أوائل الخمسينات صدرت جريدة اسمها “جريدة الكلب”، وهي واحدة من أغرب الصحف العربية. واستمرت في الصدور بدمشق لسنوات، وبنسخة واحدة يكتبها صدقي إسماعيل بيده، وما يميزها أن كل موضوعاتها مكتوبة شعرا ساخرا، أغلبه من الشعر “الحلمنتيشي” الذي عرف في مصر قبل عقود، وكانت هذه النسخة تدور على الأصدقاء من مثقفين وسياسيين في دمشق وحلب وربما خارج سورية، وكان يسهم في كتابة موادها كتاب وشعراء منهم نجاة قصاب حسن، وحسيب كيالي، وسليمان العيسى، الذي اصدر فيما بعد صحيفة مماثلة بخط يده سماها “جريدة ابن الكلب”، لكنها لم تستمر أو تشتهر مثل جريدة الأب!
وقد أعيدت طباعة ما توفر من أعدادها قبل أربعين سنة، كوثيقة ساخرة. وأحببت أن أقدم للقارئ منها ما يمكن أن ينسينا الحالة السياسية التي نحن فيها، وعسى أن افلح.
جاء في افتتاحية أحد أعدادها ما يلي:“أليس الصحافة رمز النباح
وأن الكلاب به أقدم تعيش على العظم من جوعها
ولكنها ليس تسترحم”!
وكان في سورية مثلما عندنا اليوم فكتب تحت عنوان شؤوننا الداخلية: “نريد مصفاتين إحداهما
للنفط والأخرى لأجل البشر
فقد تعبنا ان نرى دولة حكامنا فيها أساس الكدر
وكم ترى من صحفي إذا
صفيته لم يبق منه قدر
ومجلس النواب لو مرّ في
مصفاتنا أصبح خمسة عشر”.
وكانت الجريدة تنشر القصائد على لسان السياسيين وهي قريبة في معناها من تصريحاتهم، فتنشر على لسان منير العجلاني قائلة:“ما كنت جاسوسا ولي منطق
حر ورأي مستقل الكيان
وان رأيي اننا كلنا
في إصبع الأحلاف كالكشتبان
فلا تلوموا أي داع إلى الـ
غرب فللغرب علينا يدان”!
وفي مقال افتتاحي لها بعنوان “غموض الموقف السياسي” كتبت تقول:
“ الموقف الحالي من شهرين مرتبك مريض
لجج من الإبهام مظلمة وليس بها وميض
قذفوا بها الجمهور والجمهور يؤذيه الغموض
طورا يقال له بان الديك بعد غد يبيض
ويحقق الأقطاب وحدته ويبتدئ النهوض”!
وواضح أن كل ذلك كان عن سورية في الخمسينات، بل وحتى حديث الأسبوع هو عن سورية أيضا، وعلى هذا الأساس نقرأ:“قد حوكموا وحُكِموا لكنهم لم يعدموا
أشياء لا نفهمها والله فيها أعلم
وثيقة الإعدام لم يجر عليها قلم
فحامد الخوجا عن التوقيع كان يحجم
وكيف وهو منذ قرنين صديق لهم؟
وقيل صبري العسلي مثلهم متّهم
فكيف يمضيها وفي ذمته جرمهم؟
وخالد العظم إلى العفو هدته القدم
إني لحسن الحظ في القضاء لست أفهم”!
وانسجاما مع الشعر الحديث كتب صدقي اسماعيل قصيدة نختم بها الجولة غير العراقية:“صديقي علي
أتذكر يوم جلسنا على ضفة الجدول؟
ورف علينا غراب
غراب بلون الدجى المرسل
يحدثنا عن بلاد ستمسي خراب
وما ذاك بالمعول
ولكن بأيدي الشباب”!