إجراءات إخراج الأعمال الفنية حماية إرث وطني أم تعسفٌ مُهين؟

1٬382

استطلاع : زياد جسام /

لا يحق لك أن تخرج بأعمال فنية من العراق إلى أي بلد آخر، إلا بعد إجراءات قانونية في وزارة الثقافة العراقية ودفع رسوم مادية عن كل عمل تبلغ بين 15 إلى 20 ألف دينار، سواء أكنت فناناً تشكيلياً تنوي إقامة معرض شخصي خارج العراق، أم مواطناً لديك أعمال فنية تريد أن تأخذها معك إلى الخارج.
آلية العمل ورسوم إخراج الأعمال الفنية أثارتا جدلاً بين مؤيد ورافض، فهناك من يقول إن القانون يحمي أعمالنا الفنية، وآخر يقول إنها تشكل عبئاً على الفنان التشكيلي. لهذا أجرت مجلة “الشبكة العراقية” استطلاعاً تحدثت فيه مع أصحاب الشأن.
يحدثنا (الدكتور علي عويد)، مدير عام دائرة الفنون العامة في وزارة الثقافة العراقية، بصفته رئيس لجنة إخراج الأعمال الفنية، عن هذا الموضوع قائلاً: “بعد عام 2003 سُرق ما يقارب 95% من الأعمال المتحفية التي تعد جزءاً مهماً من ذاكرة العراق الثقافية، لذلك جاءت التوجيهات من الجهات العليا بأن يعاد العمل بقانون إخراج الأعمال الفنية الخاصة بالفنان، أو تلك التي تعد مقتنيات لعامة الناس، التي يُراد إخراجها من العراق، سواء أكان ذلك عن طريق مطار بغداد أم عن طريق المنافذ الحدودية، وذلك للحفاظ على هذه الثروة الوطنية كي لا يخرج عمل من تلك الأعمال التي سُرقت من متاحفنا.”
فحص الأعمال
الفنان (علي الدليمي)، مدير المتحف الوطني للفن الحديث ومقرر اللجنة في الوزارة، تحدث إلينا مؤكداً: إن هذه الآلية ليست بجديدة، بل إن لجنة إخراج الأعمال الفنية تشكلت مع بدايات العقد التسعيني، وهي تضم ثلاثة أعضاء من الفنانين في دائرة الفنون التشكيلية: أحدهم مقرر اللجنة، فضلاً عن رئيس اللجنة الذي هو المدير العام للدائرة.
وعن آلية عمل اللجنة قال الدليمي “واجب اللجنة فحص الأعمال وتدقيقها، ولاسيما بعد عام 2003، وتعمل اللجنة وفق آلية مدروسة، إذ تطلب من المواطن الذي يريد إخراج أعمال فنية أن يكتب طلباً مع تصوير الأعمال من نسختين ملونتين لغرض الاحتفاظ بإحداهما مع أوليات الطلب، والأخرى ترفق مع كتاب الموافقة وختم صور الأعمال مع اللوحات نفسها مع الكتاب، إذ تجري في المنافذ الحدودية كافة مطابقة الختم، وأي عمل لا يحمل ختم الدائرة المخصص لهذا الغرض يعدّ مُهرباً، وحدث الكثير من هذه الإشكاليات بهذا الصدد، إذ يلقى القبض على حامل اللوحات ويزج في السجن أياماً أو أشهراً حتى تثبت براءته من المحكمة!!!”
وأضاف: “يدفع المواطن أو الفنان رسوماً مالية لكل عمل يريد إخراجه وهي: 15 ألف دينار للعمل الأصلي، و20 ألف دينار للعمل المقلَّد كلوحات المستشرقين أو الأعمال ذات الطابع الحرفي أو الشعبي، ثم يُزود بكتاب رسمي بتوقيع المدير العام يفيد بعدم الممانعة من إخراج هذه الأعمال. وضعت هذه الرسوم لكون دائرة الفنون التشكيلية تعمل وفق مبدأ (التمويل الذاتي)، لذلك تُستوفى هذه الأجور لمواصلة عمل الدائرة.”
إرث الوطني
من جانب آخر، تحدث الفنان (د. جواد الزيدي) بصفته عضو الهيئة الإدارية لجمعية التشكيليين العراقيين والمسؤول الثقافي فيها فقال: “تعد قضية إخراج الأعمال الفنية وتسويقها والرسوم المفروضة عليها من القضايا الإشكالية قديماً وحديثاً، ولاسيما في العراق، بوصفه منطقة غير مستقرة أمنياً ومؤسساتياً، وحدث في أزمنة متعاقبة تزوير لأعمال من قبل جماعات امتهنت هذا العمل بغطاء حكومي في حقلي الرسم والنحت وبعضها يقع ضمن الإرث الوطني، وهذا أوجب وضع اشتراطات لإخراج الأعمال الفنية وفرض رسوم معينة مع إمكانية رصد هذه العملية بما لا يضر بالرصيد الوطني من هذه الأعمال عبر تحقيق رقابة حكومية عليها. بيد أن مسألة وضع رسوم على الأعمال الفنية أثناء إخراجها يقتضي النظر إليها من زوايا كثيرة، ففي حالة أعمال الفنان الشخصية أرى أن من حقه الشخصي أن يتصرف بمنجزه الفني بما يشاء دون ضوابط أو فرض رسوم على إخراج هذه الأعمال مهما كان تصنيفها، سواء أكانت لغرض إقامة معارض خارج الوطن، أم لتسويقها، فهو حق شخصي يرتبط بحقوق الملكية الفكرية، وهذا يجب أن ينظَّم بقانون من المؤسسات الخاصة سواء أكانت رسمية أم غير رسمية تخصصية. كما أني أجد أن المعارض الجماعية التي تقيمها مؤسسات راعية للفن يفترض أن تعفى أيضاً من الرسوم المفروضة عليها، لأسباب تتعلق بنشر الفن العراقي وتسويقه ووصوله إلى الآخر.
أما إذا كانت الإخراجية لأعمال فنية عراقية خدمة لأغراض تجارية فإن الأمر هنا يختلف، إذ يجب أن تكون الرقابة مشددة عليها وعدم الاكتفاء بفرض الرسوم فقط، بل أن تصل إلى منع إخراجها بوصفها إرثاً وطنياً لا يمكن التفريط به بأي شكل من الأشكال وعدم إفراغ الوطن من هذا الرصيد الثقافي الذي يوازي مدخرات الوطن الأخرى والانتباه إليها والفصل بينها وتحديد ذلك بقوانين تسري على الجميع.”
رأيٌ مغاير
أما الفنان (د. محمود شبّر)، وهو أحد الفنانين النشطين خارج العراق وكثيراً ما يتنقل بأعماله بين دولة وأخرى، فكان له رأي مغاير في آلية إخراج الأعمال الفنية، إذ قال: “أعتقد أن هذا الموضوع بالغ الأهمية ومن جوانب متعددة، أهمها الجانب الاعتباري للفنان إذ يتحول في هذه الإجراءات إلى (عتّال)، وكلما زاد عدد اللوحات كلما كانت (مصيبته) أشد وطأة، ولاسيما حين تكون الأعمال بأحجام كبيرة ومشدودة على الخشب، إذ تبتدئ (رحلة الشقاء) من الباب الخارجي للوزارة مروراً بالاستعلامات وصولاً إلى دهاليز دائرة المعارض التي تبتدئ منها الإجراءات من تصوير الأعمال، إلى قياسات الأعمال، إلى مستمسكات رسمية، إلى استحصال الموافقة بإخراج (العربة الخشبية الخاصة بنقل الأعمال من مرأب وقوف السيارات الأهلي الذي يبعد عن باب الوزارة الرئيس مسافة ليست بالقليلة)، وللأسف فإن هذه العربة البدائية تشكو من نقص (عجلة) منذ زمن المدير العام السابق د.شفيق المهدي رحمه الله، ما يجعل عملية نقل الأعمال أشبه بلعبة سيرك.
حصل معي أكثر من مرة وبعد إكمالي إجراءات المعاملة أن كان المدير العام موفداً إلى خارج العراق، وينوب عنه مدير عام آخر، لكن مقره خارج الوزارة وسيادته لا (يوقع البريد) إلا بعد الساعة الثانية ظهراً ومسؤولو الحسابات الذين يسلمون الفنان (وصل القبض) يوقفون تسلم المبالغ المترتبة الساعة (11)، حسب تعليماتهم!!
معاملة إخراج اللوحات الفنية أراها، من وجهة نظري الشخصية، عملية تعسفية بحق التشكيل العراقي وبحق الفنان العراقي، وعلى الجميع أن ينظروا إلى الفنان، مهما كان اختصاصه، على أنه واجهة جميلة ومهمة من واجهات المجتمع وأن يُعامل باحترام وتقدير من لدن مؤسسات الدولة وليس العكس.”
يضيف: “طبعا علينا ألّا ننسى إجراءات المطار حينما (يشك) بك رجل التفتيش وبلوحاتك ويعاملك كأنك (مهرِّب) أو (متهم)، ويجب أن تتحلى بأعلى درجات الصبر والأخلاق وأن تكون حذراً في أي كلام تقوله لأن ذلك يترتب عليه حجزك أنت واللوحات تحت طائلة القانون، فعلى الفنان فرش الأعمال على أرضية المطار وإبراز ختم دائرة المديرية العامة للفنون التشكيلية ثم إبراز الصور المخصصة لإجراءات المعاملة، كذلك إبراز الأختام، وفي حال نقص ختم فإن الموضوع يحتاج إلى قصة أخرى.”
يختتم الفنان شبَّر حديثه قائلاً: “من منبركم هذا، وأنتم دائرة إعلام رسمي ومهني، أطالب أن توصلوا صوتنا لإعادة النظر بهذه (الإجراءات) المُهينة بحق الفنان، وأقول إن عملية التهريب لها طرق أخرى وأناس متخصصون بها وليس الفنان العراقي الذي يسعى كادحاً لبث الجمال وإثبات ذاته رغم كل إحباطات الحياة التي تعتري المشهد.”