الصوم ضمير

652

د. حسن عبد راضي /

لا يختلف اثنان في أن الصوم من أركان الإسلام، تتفق في ذلك كل الفرق الإسلامية، وهو شعيرة من شعائر الله تعالى التي حث الناس عليها وأمرهم بالالتزام بها، وجزى الصائمين عنها أفضل الجزاء.
بيد أن الصيام مثل الصلاة، له شروط يجب أن تتحقق حتى يتقبله الباري عزّ وجلّ بقبولٍ حسن، وإلا عاد شكلاً فارغاً من كل معنى، أو كما قال رسول الله (ص): “كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”، وكما ورد في أحاديثَ وآثار كثيرة عن الأئمة المعصومين (ع) والصحابة المنتجبين (رض) في المعنى نفسه والسياق ذاته، وهذا يدل على أن الصوم ليس امتناعاً عن الطعام والشراب حسب، بل هو تهذيب للنفس عن ارتكاب المعاصي، واجتنابٌ للظلم وغمط الحقوق وأكل مال الناس والتعدي على الحرمات وغير ذلك مما حذر الله عباده عاقبة إتيانه، ووعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما فعلوا الخير وأحسنوا.
فيا عزيزي الرمضاني.. إذا كنت موظفا تشترط ُعلى الناس أن يعطوك “الإكراميات” لتؤدي وظيفتك التي تتقاضى عنها راتباً، فلا تصُم. وإذا كنت ممن أؤتمن على أرزاق الناس ووظائفهم ثم خان الأمانة وباع التعيينات لمن دفعوا له المال طوعاً أو كرهاً فلا تصُم. وإذا كنت بائع سيارات في أحد المعارض أو بائعاً في أي متجر وكنت معتاداً على اليمين الكاذبة الفاجرة تخدع بها الناس، فلا تصُم. وإذا كنت من التجار الذين رفعوا أسعار المواد الغذائية ترحيباً برمضان من غير مسوغ ولا سبب، فلا تصُم. وإذا كان لديك محل تُخرج بضاعته كل يوم فتسدّ بها طريق الناس وتظنّ أنك “على باب الله” وحين يعترض عليك أحدٌ تحتجُّ عليه بأن هذا باب رزقك! فلا تصُم.. وإذا كنت معلماً لا تعطي الدرس حقه في الصف لكي يأتيك الطلبة في الدرس الخصوصي ..أو طبيباً لا تُخلص في تطبيب الناس لكي يأتوك في عيادتك الخاصة، أو قاضياً تعرف أين يقع الحق فلا تقضي به، أو شرطيَّ مرورٍ تترك الشارع في حَيصَ بَيص بينما تلهو بهاتفك الجوال، أو قصاباً تغش بضاعتك، أو بائع خضرة تخبئ التالف والممرود تحت الطازج ثم تضعها جميعاً في كيس أسود وتُحكم غلقه.. وإذا كنت واحداً من آلاف الناس الذين يعتقدون أن الغش والتطفيف وخيانة الأمانة وشهادة الزور وخيانة قَسَم المهنة.. شطارة، ويُسمون الرشوة “إكرامية” والاختلاسَ “سباعية” وأكلَ السحت الحرام “رجولة” فلا تصم يمعوّد، فإنك مصداق حديث الرسول الأكرم (ص) الذي ذكرناه.
رمضانكم مبارك