يحلم بمتحف يضم أعماله.. صادق السعدي عملي هواية وشغف

557

آية منصور /

يصنع صادق السعدي مجسماته ومن بينها مصغرات السيارات بشغف، عمله فيه كثير من الإبداع، لكنه في الوقت ذاته مُجهِد ويستغرق وقتاً طويلاً، حتى أنه ترك آثاره على ظهر السعدي الذي تقوس بسبب انحنائه المستمر لساعات طوال.
الشغف بكل ماهو قديم حفز موهبة السعدي التي ولدت بالفطرة، ودفعه للمثابرة من أجل إتقان مهنة صناعة مصغرات السيارات والمنازل القديمة، وقد برع فيها حقاً، حتى لتبدو مجسماته كأنها حقيقية، أو أقرب ما تكون إلى ذلك.
هواية الطفولة
صادق السعدي، فنان يعشق التراث العراقي، صناعة مصغرات السيارات كانت رحلة دفعه إليها الولع بعالم السيارات الذي رافقه منذ الطفولة، وفضلاً عن براعته في هذا المجال فإنه يصنع كثيراً من المجسمات الصغيرة والغريبة كالدمى والمعالم والبيوت.
درس السعدي في معهد الصناعة قسم المكيانيك، الأمر الذي عزز هوَسَه في صناعة المجسمات، وبعد تخرجه انخرط في عمل وظيفي، لكن هوايته الجميلة سحبته إلى عالمها الأكثر سحراً.
السيارات الصغيرة
باشر السعدي فكرته بصناعة نماذج السيارات المصغرة بشكل يدوي وبإمكانيات محدودة وتكاد تكون بسيطة للغاية، وذلك من داخل غرفة في منزله حوّلها إلى ورشة صغيرة اتسعت لأحلامه وموهبته، وضمت مجسماته التي حوّل فيها الأشكال الكبيرة والمباني الشاهقة إلى مجسمات يحملها بكف يده.
يبدأ السعدي البحث عن الموديلات القديمة التي تستهويه، حتى يجد النموذج الذي يثيره، فيجمع للسيارة المخططات والصور من مختلف الزوايا، وفي حال تعذر الحصول على المخططات، فإنه يعتمد رسم مساقط النموذج بالرسم الهندسي، ثم ينحت تفاصيلها بدءاً بالإطارات والمكائن مروراً بلوحات الأرقام.
عملية معقدة
يصنع السعدي مجسماته فتبدو كأنها حقيقية، وقد أضاف له عمله السابق في ميكانيك السيارات خبرة أخرى مكنته من اختيار الخامات التي يستخدمها كنموذج أولي، كالفلين أو الطين، من أجل النحت وتكوين الشكل، وبعدها يصنع القالب الخاص من السليكون لعمل نسخة من الفايبر كلاس، حتى يصل العمل إلى مرحلته الذهبية، وهي مرحلة تلوين المجسمات وطلائها بالألوان بواسطة جهاز “الإيربرش”.
يؤكد صادق السعدي أن شغفه بصناعة مجسمات السيارات، القديمة تحديداً، يعود جانب منه إلى أن تلك السيارات اختفت من الشوارع ولم يعد الناس يشاهدونها، بل لعل كثيراً منهم لم يسبق لهم أن شاهدوها أبداً.
مجسمات المنازل
وتستهوي السعدي التفاصيل العراقية القديمة، التي صقلت موهبته ومنحته شغف صناعة المجسمات الخاصة بالمنازل البغدادية الشعبية والشناشيل، إذ طغت السِّمة العراقية على جميع أعماله، وقد خطرت له فكرة عمل مجسمات لمجتمع عراقي بكل تفاصيله.
الباحثون عن النوادر
وتلاقي أعمال الفنان صادق السعدي، بصبغتها العراقية، إقبالاً كبيراً عليها، لأنها تذكر المواطنين بمنازل كانوا قد أمضوا جزءاً من حياتهم فيها، أو بسيارة ربما قادها أحدهم في شوارع بغداد يوماً ما، أو حتى شاهدها في مرآب منزله.
يحدثنا السعدي قائلاً: “بعضهم يبحث عن نموذج يريد به إكمال مجموعة سيارات، لكن ما يميز أعمالي عن الأعمال الأخرى أنها مصنوعة باليد وتستغرق وقتاً طويلاً حتى تكتمل.”
ساعات من العمل
يمضي السعدي نحو ١٥ ساعة يومياً من أجل إتمام عمله الخاص، الذي يتطلب قرابة الشهر لإنجاز نموذج لسيارة واحدة فقط، ورغم هذا التفاني والجهد إلا أن هنالك من يحاول إحباطه، لكن محبة الناس وتقديرهم لما يقدمه، تكفي لردع المتربصين به وأعداء النجاح.
المشاركات في المعارض
شارك السعدي في معارض عدة داخل العراق، من بينها مهرجان بابل للثقافات، فضلاً عن نشاطات جمعة المتنبي التي عرض فيها نماذج من أعماله للجمهور في المتحف المتنقل، واستطاع أيضا تمثيل العراق في معرض فن السكراب الذي أقيم في قطر بمشاركة فنانين من ١٩ دولة.
ويعتقد الفنان صادق السعدي أن المهارة والموهبة هما ركيزتا النجاح، ومن المهم أن يكون صانع المجسمات ملماً بالرسم والنحت والتصميم الهندسي والمعماري والمهارة المكيانيكية لصيانات السيارات والسمكرة والصباغة وأعمال الخراطة، فضلاً عن تقنيات الحاسبة والطباعة لصناعة الملصقات واللوحات، وهذا كله نتاج لخبرة متراكمة من سنوات عدة.
وللسعدي أحلامه
يطمح الفنان صادق السعدي في إقامة دورات تدريبية للشباب المحبين لهذه الهواية، لكن الموضوع يستلزم دعماً وموارد كبيرة، كما أن لديه أمنية كبيرة بإنشاء متحف معني بالمصغرات المستوحاة من البيئة العراقية، يقول:
“أحلم بتأسيس متحف للمصغرات التي أصنعها، وفي نيتي أن أجعلها تشمل مدناً مصغرة، ليصبح هذا المتحف واجهة سياحية وتعليمية لعشاق هذه الأعمال الفنية.”