العراقُ العَرشُ

787

جمعة اللامي /

” لكل عصفور صغير،
ولكل زهرة في داغستان،
عشرات الأسماء”
(حمزاتوف ـــ بلدي)

لربما يسأل أحد القراء الكرام : لماذا اخترت شذرات من الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف، هذا اليوم، مدخلاً لكلماتك حول وطنك ــ العراق، على الرغم مما لحقك به طوال العهود الماضية، منذ سنة 1963 وحتى يوم الناس هذا؟
يبقى الوطن، هجّرونا منه، أو حتى هجَّرنا هو، رصيفنا الأخير. وكانت قصيدة الشاعر قسطنطين كفافي، الذي ولد بمدينة الاسكندرية المصرية، من أسرة يونانية مهاجرة، التي يتحدث فيها عن مدينته الأثيرة ــ أثينا، رصيفه الأخير. هذا تعريف خارج الثقافة العربية، يصلح تماماً لقصيدة كفافي: المدينة.
لكنَّ العراقي مُختلفٌ ومغايرٌ، لأن العراق هو العرشُ، ولأنّ قصيدته هي دموعه.
عندما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام، الى يثرب أو الطائف، كان ينتقل من غرفة الى غرفة أخرى في منزل واحد. وكان حنين أبي فراس الحمداني الى حلب، وهو الأسير في بلاد الروم، حنيناً الى هويته وثقافته العربية، بالرغم من أن الخليفة العباسي ببغداد، كان على غير وفاق مع بني حمدان التغالبة. أو أن صلاح الدين الأيوبي ــ الكُردي، هو الذي عادى التغالبة العرب. والتغالبة العرب هم أول من دحر الصليبيين، وأعاد القدس الى العرب.
وحين هاجرنا الى مطارح الخليج العربي، في سنوات متفاوتة ولأسباب مختلفة، كنا ننتقل من بيت عربي الى بيت عربي آخر، على رغم قِصَرِ النظر هنا، والظلم في أحيان غير قليلة هناك. وتعال انظر في سجل منصات الثقافة العربية في بلدان الخليج العربية، تجد التشكيلة العراقية متقدمة، تحت عشرات الأسماء والمناشط. ليس بدءاً من أول مسرحية إماراتية، وليس انتهاءً بآخر تعليق عراقي رصين على معرض للرسم بالشارقة أو بأبو ظبي والفجيرة ودبي ورأس الخيمة وعجمان.
الآن ــ أيضاً، العراق هو العرش. والعرش، كما يقول الجرجاني ــ عليَّ بن محمد بن علي السيد الزين، أبو الحسن، المتوفى سنة 826 هجرية، هو: “الجسم المحيط بجميع الأجسام، سُمّي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير المُلك في تمكنه عليه عند الحكم”.
العرش هو العراق.
وتحية لدموع الشريف الرَضيّ وهو يَحِنُّ الى بغداد!