مهرجان دار السلام السينمائي صناعة الوعي المجتمعي بالفن
مجلة الشبكة – تصوير:بلال الحسناوي /
استندت مستشارية الأمن القومي العراقي في إقامة مهرجان سينمائي للأفلام القصيرة يحمل رسالة “دار السلام” إلى قاعدة ترسيخ الأمن المجتمعي الذي يقوم على فكرة تحصين المجتمع داخلياً ونبذ العنف والتطرف واستهجانها فكرياً وأخلاقياً وفتح قنوات للخطاب المشترك.
إنها مهمة تختلف عن مفهوم “الأمن الصلب” الذي تضطلع به أجهزة الدولة الأمنية عبر توفير الوسائل البشرية والتقنية واللوجستية المعروفة لحفظ الأمن.
هو إذن مفهوم يتصل بالتثقيف والفنون والإعلام وغير ذلك من وسائل تشكيل الوعي الجماعي لدى مجتمعات في العالم وتحصينه من الداخل. وعليه تعاضدت مستشارية الأمن القومي مع وزارة الثقافة وكلية الفنون الجميلة ونقابة الفنانين العراقيين ودائرة السينما والمسرح وكلية الإعلام ومركز التميز لإطلاق هذا المهرجان بدرجة عالية من التنظيم ليكون خط شروع نحو دعم المشاريع الفنية المتنوعة التي تعزز مفاهيم السلم المجتمعي والانتماء الوطني.
السينما في مكافحة التطرف
أضاءت أمسية افتتاح المهرجان الذي أقيم في سينما المنصور ببغداد كلمات شكلت توليفاً توضيحياً ومنهاجاً لأبعاد إقامة مثل هكذا مهرجان ومزاوجة فاعلة بين مؤسسات فنية وأمنية في هذا الظرف.
كلمة الأستاذ سعيد الجياشي مستشار الشؤون الاستراتيجية لدى مستشارية الأمن القومي المدونة في مقدمة مطبوع المهرجان التي أوضح فيها بإيجاز ما “يلعب الفن من دور أساس في ترسيخ السلام والاعتدال الاجتماعي كونه يمثل رسالة إنسانية هدفها ترسيخ السلم الأهلي والهوية الثقافية للمجتمع من خلال ما يعكسه في الدراما والإعلام والأفلام الوثائقية والقصيرة. ومن هنا – بحسب الجياشي – جاء التنسيق في مستشارية الأمن القومي/ الخلية النفسية الاستراتيجية لإقامة هذا المهرجان الذي يعدّ الأول من نوعه ليكون خط شروع لأعمال كبيرة قادمة”. وقد أوضح ممثل مستشار الأمن القومي في كلمة الافتتاح أن “الأمن هو منظومة حقوق الأفراد في المجتمع وأنّ العدالة الاجتماعية هي مهمة مشتركة بين المجتمع والدولة”، معرّجاً على مراحل توظيف الفنون والإعلام في ثلاث نقلات شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية مروراً بالحرب الباردة وانتهاء بمرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. وفي اقتضاب آخر استهل الافتتاح الدكتور رياض شهيد رئيس المهرجان بكلمة أوضح فيها جدوى مثل هذا التعاون المثمر بين المستشارية وسائر المؤسسات الفنية والثقافية، إذ “أصبح الفيلم أداة فاعلة أيديولوجياً وإعلامياً وسياسياً، مما دعا المؤسسات الرسمية والأمنية إلى الالتفات لهذه الظاهرة وتوظيفها في مكافحة التطرف، واليوم يأتي مهرجان دار السلام ليؤكد اعتماد الخطاب السينمائي للوقوف في وجه هذه الظاهرة التي تقود إلى العنف والتطرف”.
منهاج وتكريم
على هذه المنطلقات والقواعد الفكرية والفنية أتى مهرجان “دار السلام السينمائي” في دورته الأولى تحت عنوان فرعي “السينما في مكافحة التطرف” ليحفل بأداء تنظيمي لافت ومتقن، موزع بين اختيار مؤاتٍ للمكان والتوقيت، ليتأكد هذا الاتقان في تحقيل عادل بين لجنته العليا ولجنته التحكيمية المتخصصة ولجنته الفنية ولجنته التحضيرية تناسقت جميعها على أداء لا يعوزه الاحتراف وحسن توزيع المهام واختيار الأفلام المرشحة للعرض والتكريم في يومي المهرجان الأول والثاني الذي اختتم بتكريم الأفلام الفائزة نظير ابتداء يومه الأول بتكريم المبدعين والجهات المشاركة أو الساندة في إقامة هذا الحدث الفني والمجتمعي المهم.
مشاركات وختام
تقاسمت عروض اليوم الأول للأفلام القصيرة المشاركة فترتي العرض التي تخللتها استراحة قصيرة وقد تباينت من حيث الطبيعة والتناول وتوقيت العرض والموضوع. كان الاستهلال بفيلم الانيميشن “انكل” للمخرج خالد البياتي (أربع دقائق) وتلاه فيلم المخرج سعد العصامي الموسوم “الشيخ نؤيل” (إحدى وعشرون دقيقة). ثم عرض فيلم “طريق حواء” للمخرجة دعاء علي ( قرابة 4 دقائق). وبعد الاستراحة توالت أفلام منهاج اليوم الأول وهي: المرحّلون/ للمخرج حسام الطائي- مرة أخرى/ للمخرجة بيمان كريم – نافذة حمراء/ للمخرج حسين العكيلي – دم/ للمخرجة سمر حسين- كلاسيكو/ للمخرج جبريل أبو بكر. وحفل اليوم الثاني الختامي بسبعة أفلام أخرى هي: نباح من أجل الحياة/ للمخرجة كاردينيا – أفنان/ للمخرج وليد مجيد – أنين الماضي/ للمخرجة سارة عبد الكريم – فتاة الريف/ للمخرج حيدر الهجهوج- سول/ للمخرج أمير الريحاني – الأنفاس الأخيرة/ للمخرج مهند السوداني- وأخيراً فيلم إطلاقة/ للمخرج علي هاشم، ثم قرئ البيان الختامي ووزعت الجوائز.
كان مهرجان دار السلام السينمائي تأسيساً صحيحاً باتجاه تثبيت العلاقة بين المجتمع والدولة عبر منظومة أصوات مؤثرة سمعياً وبصرياً، واعيةً طبيعة التحولات في القنوات الاجتماعية التي لم تعد تعتمد الوسائل البائدة المحدودة المؤثرة في صناعة الوعي المجتمعي، حيث تؤكد الاحداث أنه بحاجة مستمرة إلى مواكبة معاصرة لإنشاء قنوات من الخطاب المتجدد.