في مديرية الإنتاج الوثائقي وثيقةٌ تتحدث وماضٍ يُعاد تركيبه
سرمد ارزوقي /
مديرية الإنتاج الوثائقي واحدة من مؤسسات شبكة الإعلام العراقي التي أنتجت عدداً غير قليل من الأفلام والبرامج الوثائقية في عمرها الذي لا يتجاوز التسع سنوات، واستطاعت أن تثبت قدميها في عالم هيمن عليه المحترفون منذ عقود طوال.
مجلة “الشبكة العراقية”، في سياق سعيها إلى التعريف بعمل مؤسسات الشبكة وجهود الجنود المجهولين الواقفين وراء كواليس الأفلام والبرامج، كانت لها جولة في أروقة مديرية الإنتاج الوثائقي ولقاءات مع العاملين فيها.
التأسيس والبدايات
مدير مديرية الإنتاج الوثائقي تحسين الصرخي حدثنا قائلاً: جرى تأليف الهيكل التنظيمي لمديرية قناة الوثائقية بتاريخ 19/6/2012 وهو تاريخ تأسيس أول قناة فضائية وثائقية في شبكة الإعلام العراقي، ثم صدر قرار بتحويلها إلى مديرية الإنتاج الوثائقي، التي تعد اليوم من المديريات الساندة في شبكة الإعلام العراقي، تنتج الأفلام والبرامج الوثائقية المتعددة الموضوعات ضمن خطة تشغيلية سنوية يعدها المتخصصون في المديرية تتناول بعض المناسبات المهمة وكذلك الظواهر المجتمعية والسياسية والدينية والتاريخية والثقافية والفنية وقضايا مهمة حسب نوعية الخطة السنوية الموضوعة, ولدينا مكتبة صورية تحتوي على أكثر من ٤٠٠ فلم وبرنامج وثائقي منذ التأسيس حتى اليوم في شتى المجالات, ولدينا كوادر فنية متميزة وكثيرٌ من الأعمال الجيدة رغم الإمكانيات المالية المحدودة.
ورغم كل تلك الظروف فإن بعض الأعمال الوثائقية أخذت مجالها في كثير من المهرجانات المحلية والعربية والعالمية، فقد حاز فيلم (الرتل) على جوائز عدة في مهرجانات متنوعة، كذلك فيلم (مواكب حسينية) الحائز على جائزة من مهرجان التراث العالمي لليونسكو في باريس عام 2018، وفيلم (حكاية حواء في أرض الرافدين) الحائز على جائزة من مهرجان الأمم المتحدة لليوم العالمي للمرأة في عمان عام 2018، وأيضاً (بايوغرافي سيرة فنان) الحائز على جائزة أفضل سلسلة في مهرجان عيون عام 2020، ونطمح إلى أن نكون ضمن القنوات المتقدمة في هذا المجال، والتركيز يكون دائماً على أفلام السيرة الذاتية والحوادث التاريخية المهمة وما جرى في واقعة كربلاء من قصص ومآثر، لذلك تكون الأولوية لبرامج شهر محرم الحرام.
الأفكار ومنبعها
يقول المعد أحمد مطير: يعتمد الفيلم الوثائقي بالدرجة الأساس على الحدث الذي وقع في الزمن الماضي، من هنا تتولد الأفكار التي منبعها الاطلاع والقراءة والإلمام بالحدث ومدى إمكانية أن يتحول هذا الحدث إلى صورة من خلال إعادة تمثيله أو عرضه عن طريق الوثائق أو شهادة من عايشه، أما الجمهور فأعتقد أن من واجب الباحث والمعد والمخرج أن يكون عملهم الفني الوثائقي للجميع ولا يستهدف جمهوراً بعينه، وذلك بأن يوظفوا عناصر الجذب بنحو صحيح فيكون عملهم مشاهداً. وبشكل عام فإن الملكية الفكرية أصبحت واقعاً في عالمنا اليوم بعدما كان بعض أنواع الفن مشاعاً، والعالم يتجه بقوة لحماية الأفكار والأفلام الوثائقية، ولكن يمكن أن نعيد إنتاج فكرة معينة على أن تكون المعالجة مختلفة والحدث مختلفاً، وعلى سبيل المثال سيرة القاتل المتسلسل (تيد كازينسكي) أنتجته أكثر من جهة إنتاج وثائقية كالنتفلكس والبي بي سي عملاً وثائقياً، بينما الفكرة واحدة، لكن كل جهة اختلفت في طريقة المعالجة والزاوية التي تناولت قصة هذا البروفسور الذي تحول إلى قاتل مهووس, كما أن لكل عمل فني إبداعي رسالة ولكن ليس بالمعنى التعبوي، الرسالة هنا هي ربما إعادة تفسير الماضي بطريقة مجردة وأحياناً الأفلام الوثائقية لا تبتعد عن القصدية والتعبوية.
يختم المطير حديثه قائلاً: أكثر ما يواجه صانعي الأفلام الوثائقية من صعوبات هو الحصول على المعادل الصوري، لأن الأحداث وقعت في الماضي وبعضها قبل اختراع الكاميرا، وهنا يأتي دور إعادة تمثيل الأحداث، وهذا الأمر يتطلب ميزانيات ضخمة.
محاكاة الواقع وحقيقة القصة
المخرج مروان عبد الجليل تحدث إلينا: تختلف الرؤية الإخراجية في العمل الوثائقي عنها في سائر الأعمال الأخرى، فالوثائقي يقدم الحقيقة كما هي، خالية من أي تدخل في التركيب أو الافتعال وتكون ذات أفق محددة الأطر تحكمها مخرجات الوثائق والأحداث التاريخية الواقعية، أبطالها وثيقة وأشخاص حقيقيون وأحداث واقعية أو فيديو مصور أو صورة فوتوغرافية، بحيث يلتزم المخرج بالشروط الصارمة للفيلم خلاف الأعمال الأخرى التي تعتمد على المخيلة الفنية التي تنتج صورة بعيدة كل البعد عن العالم الواقعي.
يتابع عبد الجليل حديثه: كما يجب تحديد الجوانب الإبداعية الجمالية والجانب الحرفي التقني والإداري بشكل متكامل لخلق بيئة مناسبة لصنع فيلم مميز, فضلاً عن الاعتماد على الأرشيف واختيار الوثائق التي لا غبار عليها وتقديم البرهان الموثوق, أما عملية اختيار التعليق الصوتي أو المعلق فيجب أن تكون مبنية على أمور عدة ينبغي توفرها في الشخص المعني من حيث سلامة اللغة ومهارات النحو والقراءة ومخارج الحروف وطريقة النطق والقدرة على التحكم بالصوت، فضلاً عن مهارات التمثيل.
عناصر التشويق
من جانبه، يقول المونتير عزيز كريم: الفيلم الوثائقي يقدم وثيقة وهي إما أن تكون صورة أو فيلماً أو شاهداً على الحدث، فيكون عرضها مونتاجياً، إما بأسلوب السرد التتابعي والحفاظ على الحدث الزمني أو بأسلوب الفلاش باك، أي (الرجوع بالزمن) أو يكون مونتاجاً متوازياً لحدثين في آن واحد، أما اختيار الموسيقى فيكون بطريقتين: الموسيقى التي تتسق وبيئة الفيلم كما في أفلام الطبيعة التي تعطي موسيقاها متعة للمشاهد، أو موسيقى غايتها خلق حالة التشويق وتوفير مناخ درامي لتعزيز إيحاءات المشهد وتهيئة المشاهد للقطة الراهنة أو المقبلة, أما المؤثرات الصوتية فتُستخدم للإيحاء بالفعل أو الحركة وتكون مطابقه للصورة كما في حركة السيارة، وقد يستخدم موثر درامي يخلق حالة الشد لدى المشاهد كما في أفلام الرعب.
تقنيات التصوير
كما التقينا المصور حيدر رحيم الذي تحدث قائلاً: جمالية الصورة في الفيلم الوثائقي تنبع من مدى تعزيز عناصر الصورة من (تكوين وإطار وميزان سين) لفكرة الفيلم لأجل إدخال المتلقي في جو الفيلم لتحقيق تفاعل أشد، لأن الوثائقي يفتقر إلى عناصر الشد الموجودة في الفيلم الروائي، وهنا يأتي دور مدير التصوير الوثائقي المتمرس الذي يتمكن بعناصره الجمالية من السيطرة على وجدان المتلقي، وكلما فُسح المجال للصورة كي تقول قولها، أمسكنا بمكون سردي/ بصري جمالي دال, كما يعتمد تكوين الصور في الفيلم الوثائقي، سواء في المقابلات أم في تصوير متن الفيلم على مدى استيعاب مدير التصوير لفكرة الفيلم ومضمونه، ولاسيما أن الفيلم الوثائقي لا يكتب له سيناريو دقيق كما في الفيلم الروائي، ويجري أحياناً تغيير كثير من عناصر القصة في موقع التصوير تبعاً للمستجدات على أرض الواقع، لذا يعتمد مخرج الفيلم كثيراً على مدير التصوير المتمرس في الاستجابة السريعة للمتغيرات من واقع خبرة الأخير العملية في مجال الصورة والإضاءة، فيكون لفهم مدير التصوير وسعة إدراكه دور كبير في خلق التكوين المعبر والمعزز للفيلم، ولتحقيق أفكار مدير التصوير التي هي في الواقع ترجمه بصرية لرؤية المخرج، لذا فأن عليه التسلح بكثير من المعدات والتقنيات الحديثة من أجهزة إضاءة ومؤثرات لونية، ويجب أن يلمّ بخصائص كل حجم من أحجام العدسات، ومدير التصوير الذكي يمكن أن يستخدم عيباً من عيوب العدسات في إضفاء جانب جمالي لضمان نجاح العمل وتألقه.