استسهال الكتابة الدرامية!

898

د. أحمد شرجي /

يمثل النصّ ركناً أساسياً ومهماً في العمل التلفزيوني، بل إنه العقل لبقية الأعضاء الحيوية (الإخراج، والتمثيل، والتصوير، والمكياج)، والجسد يمثل الإنتاج بكل تفرعاته، إذ يتعذر عمل بقية أعضاء الجسد من دون عقل فعال ومحرك لها، لأنه مصدر الإيعازات التي تؤدي إلى أفعال.
هكذا أرى وظيفة النص الدرامي في أي عملية درامية مسرحياً وتلفزيونياً وسينمائياً.
في المسرح والسينما يعوض الإخراج ضعف النص أو بساطة الحكاية بالصورة البصرية، لكن في التلفزيون القضية مختلفة، إذ لابد من تماسك الحكاية حتى تمسك بالمشاهد لأنها قد تمتد إلى ثلاثين حلقة/ ساعة تلفزيونية، وهذه العملية تتطلب مهارات تقنية على مستوى الكتابة، والتطور والبحث عن الجديد دائماً، من أجل خلق التمايز والتميز وإجبار المشاهد على الجلوس أمام الشاشة للمتابعة.

تقنية الكتابة
هناك استسهال كبير في عملية الكتابة الدرامية على صعيد الموضوعات وتقنية الكتابة، وحتى على صعيد البناء الدرامي والعملية الإنتاجية لأنها مترجم النص إلى صورة بصرية.
أين يكمن ضعف الكتابة الدرامية؟ يكمن عندما تكون تابعة وخانعة آيديولوجياً لسياسة القنوات الفضائية وأحياناً لأشخاص، وفي أحيان أخرى جهات سياسية تريد تمرير خطابها السياسي، نتج عن ذلك أعمال درامية ركيكة ابتعدت عن الواقع كثيراً، بل سعى كثير من القنوات عبر الكتابة الدرامية إلى تشويه التاريخ سياسياً واجتماعياً، لأن هذا النوع من الكتابة يكون ضمن أجندتها الآيديولوجية وليس كوظيفة للارتقاء بالدراما العراقية، أو الفنان العراقي، والمؤسف في الأمر أننا نجد كثيراً من الكتاب الدراميين يقدمون هذه الأعمال بكرم كبير، والأسباب والأعذار جاهزة دائماً وهي الضائقة المالية وتحت شعار (نريد انعيش)، ووفق ذلك تكون الكتابة الدرامية ضعيفة وغير مؤثرة في المجتمع العراقي، ولا تشكل أي حضور عربي، لأنها ذات أهداف محددة أيديولوجياً، وخطاب موجه لفئة أو لتشويه جهة ما.

أفكار جاهزة
السؤال هنا: أين هي الكتابة الدرامية؟ لقد أصبحت خطاباً سياسياً قميئاً ومقززاً لأنه لا ينشد الجمال ولا التميز، بل دراما تابعة خانعة تعرض لمرة واحدة حسب مهمتها وتهمل، مثلها مثل الثقافة الحزبية، ترمى في سلة المهملات عندما تنتفي الحاجة لها.
ومنذ سقوط النظام حتى الآن تنتج أعمال تلفزيونية تدور في فلك النظام السابق بطريقة ساذجة جداً، رغم أن ذلك النظام ارتكب خطايا وليس أخطاء بحق المجتمع العراقي، شوه البنية الاجتماعية والثقافية للبلد، فقد ذهبت الكتابة الدرامية التلفزيونية إلى الكلائشية والأفكار الجاهزة رغم أن الواقع أكثر بشاعة منها، فقط حتى يُرضي الكاتب الجهة المنتجة، لم تقدم مواضيع جديدة تستفز الممثل والمخرج قبل المشاهد، بل اجترار عاطفي لذاكرة متقدة بما هو أبشع مما تقدمه الكتابة الدرامية، لم يعد مهماً قوة النص الدرامي وتميزه بقدر أهمية رضا الجهات الداعمة عن خطابه وتوجهه واتفاقه مع آيديولوجية القناة وخطابها السياسي. هناك استسهال كبير يتحمل الكاتب جزءاً كبيراً منه، لأنه قبل أن يلعب دور التابع، على أن هناك استثناءات قليلة تميزت بدرامات مهمة ولكنها محلية بحت لا يمكن تسويقها، وهذا سبب آخر ومهم من وجهة نظري للنهوض بالكتابة الدرامية لأنها مغرقة بالمحلية وتتناول موضوعات ليس فيها مشتركات مع المجتمعات الأخرى، نعم هي دراما محلية ولكن يجب ان تكون قراءة المؤلف ذكية وعميقة ومحملة بالرموز التي تشترك فيها مجتمعات اخرى، بمعنى آخر، لابد أن تتناول الكتابة همّاً إنسانياً كونياً، وليس هماً فردياً.
أشدد على تميز بعض الكتاب بتقديم نصوص رائعة وجميلة لكن أفشلها الانتاج والتمثيل والإخراج، لأننا نعاني من عدم التطور ومواكبة الحداثة التلفزيونية، نعاني من قصور كبير على مستوى الصورة والصوت والمكياج، والخبرة الإنتاجية وهذه تمثل بقية أعضاء الجسد التي يحركها العقل. بعض النصوص الجميلة يفشلها الإخراج والتمثيل. والعكس أيضاً صحيح، ثمة نصوص ضعيفة يرفعها الإخراج والتمثيل.. نحتاج ثورة على مستوى الكتابة والعملية الانتاجية، لان الجسد الواهن لا تشفيه حبات (الباراسيتول) وهو يعاني من تلف خلايا الدماغ!