حسين قدوري

321

بيان الصفدي /

ما إن نشر قصائد عدة في ” مجلتي” عام 1977حتى جاء رجل رقيق في كل شيء ليتعرف إلي، إنه صديقي فيما بعد الموسيقار حسين قدوري، أحد رواد أغنية الطفل في الوطن العربي، وعلى الفور ارح يلح علي أن أكتب كلمات أغنية لأطفال الروضة، وتهيبت التجربة، وقلت له لاأستطيع مخاطبة هذه السن، لكن بظرفه ومرحه قال لي بإصرار: “يمعود آني دا أحكي مع شاعر موهوب، .. ما علي يومين أرجعلك وآخذ الكلمات، مو تفشلني!!” وقهقه كعادته أثناء كلامه، ومضى!
ظللت تلك الليلة أتقلب، وأحاول، فقد كنت أمام تحد واختبار وأمام أستاذ كبير صرت معجبا بألحانه التي تملأ برامج الاطفال في الاذاعة والتلفزيون.
جاء بعد يومين ضاحكا ًوبعطف أب قال: “جيب كلمات الأغنية!” وكان أن قدمت له الاغنية التي جهزتها، وتقول كلماتها: ( الف باء/ تاء ثاء.. هيا نقرأ.. الف أخضر/ باء بيدر.. سين سمكته/ شين شبكته.. واو وطن/ قاف قلب.. قولوا معنا/ عاش الشعب) قرأها وراح يتمايل كأنه بدأ باللحن، حتى سمعتها بعد أيام قليلة.
لحسين قدوري فضل لا أنساه، فقد ظل يحثني ويشجعني، ويقترح علي موضوعاً محدداً لاكتب، ليس هذا حسب، بل صرت صديقا شخصياً له، أزوره في بيته اللطيف، وأتناول الغداء أو العشاء، ودموماً مع القاص الذي تعرفت عليه في بيته منير عبد الامير، بهدوئه وتواضعه وعمقه.
لا يمكن نسيان تلك الاغاني التي أعتز أنها شكلت ذاكرة في قلوب عراقيين كثر: منها “بغداد” و”ألف باء” و”جدنا السندباد” و”غيلان يرسم” و”أمي” التي فازت كأفضل أغنية طفل عربية عام 1982 في مهرجان تونس لاغنية الطفل.
حسب الشيخ جعفر
بعد سنتين تقريبا من عيشي في بغداد تعرفت إلى الصديق الشاعر حسب الشيخ جعفر، وصرت جليسا شبه يومي في فترة الظهيرة خاصة، كانت الجلسة تضم وقتها على الاغلب: سلمان السعدي وصالح الانصاري ويوسف نمر ذياب، وقد ينضم إليها: منذر الجبوري وكمال سبتي وعبد اللطيف ناصر وخليل الاسدي.
كان حسب شخصية لا تنسى، يندر أن يتكلم، وإذا تكلم أدهش، ولا يخلو حديثه من نكتة ذكية، ملامحه حزينة حد الكآبة، مقيم دائم بعد العمل في التلفزيون كمدقق لغوي في مطاعم محددة، ويعود في ساعة متأخرة إلى بيته في شارع فلسطين.
في جلساتنا مازحه منذر الجبوري بأنه صار رفيقا بعثيا بعد ان أجبر على أن ينتسب إلى البعث بالاكراه لينجو من السجن والطرد من العمل، كما كان معروفاً بعد انفراط الجبهة الوطنية، انفعل حسب، كونه ضعيفاً أمام الانتساب إلى البعث، لكن الطريف أنه أنشىء وقتها تنظيم هزيل خاص لهولاء “التائبين” وبعد أن هدأ حسب حضرته الطرفة، على ندرة ما يفعل، فقال لمنذر:
“هسه إحنا شنو… بالبعث عدكم أكو مؤيد ونصير وعضو عامل… أشو إحنا بال درجة حزبية من هذي.. هسه شتسمونا عرف؟! ضحكنا حتى دمعت عيوننا، وكانت كتفا حسب تهتزان، بينما يغوص أرسه بينهما ضاحكا ضحكاً كالبكاء.

شكل شعري ممنوع بأمر الحزب
خلال وجودي في العراق لخمسة أعوام لم أستطع معرفة السر وراء منع قصيدة النثر رسميا قيل أن وراء ذلك شاعر رديء أعمى كان مسؤول الدائرة الثقافية في البعث اسمه كمال الحديثي، وهو متيم بالشعر العمودي وله ديوان بعنوان لا أنساه: (حصحص الحق).
لا أدري من سخر من العقول إلى هذا الحد، وأقنع سلطات رسمية في بلد غني بمبدعيه أن فنية محضة ينبغي ان تخضع للرقابة، وأذكر أن شاعراً جميلاً مغامراً هو الصديق سالم كاظم الواسطي حاول كسر ذلك الحظر بعمل ملف عن قصيدة النثر في (الطليعة الاجنبية)، وما إن تسرب خبر ” مؤامرته” تلك التي شاركت فيها حتى جاءه الامر بمنع ذلك بعد أن هيأ المواد.