النفــــط.. الأولوية لقطاع الإنتاج
ملاذ الأمين /
مع تجاوز أسعار النفط الخام الـثمانين دولاراً وبلوغ العراق تصدير كمية تقترب من 2800 برميل يومياً، ومقارنة هذا السعر بالقياس التخميني للإيرادات العامة في الموازنة العامة للدولة في العام الجاري والمقدر بـ 45 دولاراً، فإن الفارق سيكون 35 دولاراً للبرميل شهرياً،
اي نحو 8 مليارات دولار من الفائض النقدي في أقل تقدير، وهذا المبلغ الكبير ينبغي أن ينعش الاقتصاد العراقي ويسهم بنهوض البلاد عبر استثماره بالشكل الأمثل، ولاسيما في جوانب تطوير القطاعات الإنتاجية والاستثمارية التي توفر فرصاً كبيرة لاستيعاب الأيدي العاملة. يعتمد العراق في استحصال أموال موازنته السنوية على إيراداته المالية المتأتية من بيع النفط الخام بنسبة تزيد على 93% ما يجعل العراق ضمن مجموعة الدول الريعية، التي تجبي أموالها من تصدير سلعة واحدة فقط، ما قد يعرضها إلى انتكاسات كبيرة في حال تدهور الطلب على هذه السلعة.
وكما هو معلوم فإن أسعار النفط الخام ترتبط عكسياً بزيادة الإنتاج، فكلما زاد العرض في السوق العالمية، انخفضت أسعار النفط ما يتسبب بأضرار كبيرة على الدول المصنفة بالريعية.. وهذا ما جرى عامي 2009 و2016، إضافة إلى أسباب أخرى تؤدي إلى تكدس الخام في الأسواق مع توفر بدائل الطاقة من الغاز والرياح وضوء الشمس ومساقط المياه.
كورونا وأزمة النفط
لقد تسببت الأزمة العالمية عام 2019، بعد انتشار فايروس كورونا، بتسريح أكثر من 23 مليون عامل وتوقف آلاف المعامل الكبيرة، إضافة إلى انخفاض مؤشرات الاقتصاد في الدول الكبرى، تبع ذلك هبوط في أسعار النفط دفع دول أوبك + إلى اتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج للحفاظ على استقرار سعر النفط، وقد التزم العراق والدول المنتجة بهذا القرار وخُفض الإنتاج في العراق بمقدار 400 ألف برميل يومياً عام 2020.
ارتفاع الطلب من جديد
مع تعافي العالم من كورونا وعودة المعامل في الدول الصناعية للإنتاج من جديد، إضافة إلى التغيّر المناخي وقلة هبوب الرياح، زاد الطلب من جديد على الخام، ما أفضى إلى ارتفاع سعر البرميل إلى أكثر من 80 دولاراً، ويتوقع أن يتجاوز حاجز الـ 100 دولار مع بداية العام الجديد ومرور نصف العالم الشمالي بموسم شتائي قارس مع انخفاض معدلات إنتاج الفحم الحجري وأزمة إيصال الغاز الروسي إلى شمال أوروبا.
هل يستفيد العراق من ارتفاع الأسعار؟
إن التوقعات بارتفاع أسعار النفط تلفت الانتباه في العراق إلى ضرورة الاستفادة من الأموال المستحصلة منها لبناء اقتصاد متين يسهم بانتقال البلاد من الحالة الريعية إلى الاقتصاد المتين من خلال بناء قطاع إنتاجي يعتمد على الإمكانيات المتاحة لتوليد الأموال وتشغيل الشباب العاطل كل ضمن تخصصاتهم.
وإذا علمنا أن ارتفاع سعر الخام إلى 80 دولاراً وبتصدير كمية 2800 برميل يومياً بالقياس مع تقدير سعره بـ 45 دولاراً في الموازنة العامة للعام الحالي 2021، فإن الفارق سيكون 35 دولاراً للبرميل، أي لا يقل شهرياً عن 8 مليارات دولار من الفائض النقدي، وهذا المبلغ يجب أن يستغل بشكل علمي واقعي من أجل النهوض بالاقتصاد العراقي في القطاعات الإنتاجية المولدة للدخل.
ومن إدارة الأموال الفائضة يمكن تسديد الديون المترتبة على الموازنة وإيقاف فوائدها وإنهاء العجز فيها، وما زاد عنها يمكن افتتاح خطوط إنتاج جديدة في المصانع الحكومية وإقراض القطاع الخاص لافتتاح مصانع جديدة، كذلك يمكن تخصيص أموال لتأهيل المواقع السياحية والآثارية والتراثية لجذب السياح، إلى جانب الاهتمام بقطاع النقل، ولاسيما الجوي والسككي والموانئ وغيرها، علماً أن جميع فقرات القطاع الإنتاجي، سواء الصناعي أو السياحي أو النقل أو الزراعي، تحتاج إلى مئات الآلاف من العاملين فيها ومن جميع التخصصات، وإمكان تدوير الأموال الفائضة عن الموازنة بشكل صحيح لبناء مستقبل ناجح للموازنات المقبلة مع أرباح جديدة تسهم في انتشال آلاف العوائل من ضائقة الفقر وتوفير عمل كريم لهم.
التحرر من الاقتصاد الريعي
إن الاهتمام بالقطاع الإنتاجي المتنوع يعني التحرر من الاقتصاد الريعي وتصدير سلع متنوعة تشمل المحاصيل الزراعية والسلع المصنعة وجذب السياح ونقل البضائع التجارية والمسافرين وغيرها.. وجميع هذه الفقرات تسهم في فتح أبواب جديدة للإيرادات المالية في الموازنة العامة للسنوات المقبلة ما يسهم في رفاهية المواطنين وسعادة عوائلهم وتقوية قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.