لطيف العاني.. بعد ان وثق حضارة بلاد النهر ين رحيلُ مصوِّرِ ملوكِ وحكامِ العراق

350

آية منصور /

بعد أكثـر من سبعين سنة، حمل فيها الكاميرا، ووثق بعدسته الحضارة والإنسان.. رحل المصور العراقي العالمي لطيف العاني، عن عمر ناهز التسعين عاماً، بعد أن كانت البدايات منذ زمن بعيد، بعيد جداً، حين كانت الكاميرا تحتاج إلى صندوق لتستطيع أن تخرج صورة واحدة!
ولد لطيف العاني عام ١٩٣٢ في محافظة كربلاء، وبدأ شغفه بدخول عوالم التصوير من خلال هواية اكتشفها في محل أخيه الواقع في شارع المتنبي، ليبدأ حينها تعلم المبادئ الأساسية للتصوير من صاحب محل تصوير اسمه نيسان، وفي عام 1947 اشترى له شقيقه أوّل كاميرا من نوع “كوداك”.
خطوات التصوير الأولى
أولى نظراته بعين التصوير المهني بدأت حينما حصل على مقعد له في مجلة “أهل النفط” عام 1954 ولغاية عام 1960، وكان مكلفاً بالتقاط صور لمظاهر العراق الجديد والانتقالة المبهرة بالصناعة في البلاد، فقد خصصت له الشركة والمجلة مروحية خاصة لالتقاط الصور من السماء، ليصبح أول مصور عراقي يلتقط صوراً للمواقع الأثرية في بغداد والعراق من الجو.
كما شهد العاني، خلال فترة تصويره، حقباً مختلفة وعديدة من أزمنة العراق التاريخية، فقابل ملوكاً ورؤساء حكموا العراق، حتى أصبحت صوره وتوثيقه الفوتغرافي لحكايات المواطنين بمثابة ذكريات لجميع أزمنة العراق -المعاصرة والقديمة- وتاريخه، مع أن صوره -وفي كل السنوات- كانت بالأسوَد والأبيض كشعار له رمزية خاصة للمصور العاني.
يعد لطيف العاني من أهم المصورين في العالم، إذ كانت له بصمته في تطوّر فن الفوتغراف من جهة، واهتمامه بالتصوير الجوي المعني بالبورتريهات السمائية المميزة، من جهة أخرى. أيضا فإن التقاط صور المناطق والمزارات الأثرية كان من اختصاص العاني، الذي تفرد بنقل مشاهد المكان وإبراز معالمه، ما يُعد نوعاً من التوثيق الاجتماعي الصوري.
الصورة وعلاقتها بالأرض
يوضح المصور في وكالة الصحافة الفرنسية، حسين فالح، أن العاني أكد على وظيفة الصورة وعلاقتها بالتاريخ، فقد استطاع، بمهارة وموهبة فريدتين، إحياء الذاكرة العراقية بمختلف صنوفها وشواهدها، عن طريق إظهار المعالم والأمكنة بعينه المختلفة عن عيون المصورين الآخرين.
يضيف: “أنا لم ألتق بشيخِ وأب المصورين العراقيين لطيف العاني، وقد يبدو صعباً وصف شخص لم تلتق به، لكنني أستطيع أن أعرفه من خلال صوره وأعماله الخالدة التي سوف تبقى كأرشيف عظيم لحقبة من زمن العراق الحديث، إذ يعتبر العاني من المصورين القلائل الذين أسهموا بتوثيق تلك الحقبة. ”
وذكر حسين أن أغلب أرشيف صور العراق مصور بكاميرات مصورين أجانب، فلذلك يعتبر الراحل لطيف من المميزين في العراق، اذ أسهم بنقل مشاهد الأفراد والجماعات، وطقوسهم ومهنهم بعينه التي رسّخت لوجه بلاد ممتع بصرياً.
معارض مختلفة في العالم
وكانت أعمال المصور الراحل قد عرضت في مختلف معارض دول العالم، ومنها أميركا وأوروبا، وفي أنحاء الشرق الأوسط، منذ ستينيات القرن الماضي حتى قبل شهر واحد من وفاته، وكرّمته مؤسّسة الأمير كلاوس الهولندية لإنجازه أوّل أرشيفٍ لمختلف جوانب الحياة في العراق، ولدوره الكبير في تطوير فن التصوير الفوتغرافي الوثائقي. ومن أهم معارضه تغطية المؤتمر التأسيسي لمنظمة أوبك في بغداد عام 1960. كما شارك لطيف العاني في معارض دولية عديدة، إذ تم تخصيص جناح كامل لصوره في معرض “باريس فوتو” الذي افتتح الشهر المنصرم في باريس، ويعد أكبر معرض فني دولي مخصص للتصوير الفوتوغرافي.

أرشيف ممزق
لكن من المؤسف أن الأرشيف الصوري للعاني، الذي يحوي آلاف الصور التوثيقية والتاريخية في وزارة الثقافة، أكلته ألسنة اللهب والنهب بعد سقوط النظام عام 2003.تسلم العاني أحد أهم المناصب، حين ترأس قسم التصوير في وزارة الإعلام عام 1960، وفي السبعينيات عُين رئيساً لقسم التصوير في وكالة الأنباء العراقية، لكنه توقف عن التقاط الصور في عام 1979 عندما فرض نظام صدام حسين حظراً على التقاط الصور في الأماكن العامة.
لطيف العاني، المؤثر بالجميع
أسلوب لطيف العاني أثر في أجيال من المصورين العراقيين، ومن بينهم المصور في وكالة رويترز عبد الله ضياء الدين الذي قال إنه
“تأثر بالعاني بشكل خاص من خلال صوره الموشومة بتاريخ العراق، وإن الفترة التي وثقها كانت مهمة لنقل صورة عن العراق، وجيلنا، والأجيال التي ستأتي بعدنا، إذ أنه صور العراق، بطريقة تجعلك تتذكر شكله الأول، وكيف كان قبل أكثر من
خمسين عاماً. ”
يضيف ضياء الدين: “صوره تجعلني أفكر كيف كان العراق قبل سنوات عديدة، وكيف أننا اليوم –كمصورين- نستطيع توثيق جزء مهم ما زال موجوداً في هذه البلاد، هو واحد من أهم الأسباب التي تجعلني أخرج إلى الشارع وأقوم بتوثيق الحياة التي أشاهدها يومياً وأفكر بالتغيرات
التي تحصل، وما زالت، في المدينة، وكيف من الممكن أن تتغير
الهوية البصَرية للمدن
العراقية.” هذ الجانب الذي استغله العاني، ألهم عبد الله، ومنحه دافعاً لتوثيق العراق بطريقته الخاصة، كما فعل أب المصورين العراقيين.