سامية جمال فراشة الرقص الاستعراضي
مينا أمير الحلو /
زينب خليل إبراهيم محفوظ، فتاة جميلة ولدت في ٢٧-٥-١٩٢٤ بمدينة بني سويف.. توفيت الأم فتزوج الأب من امرأة قاسية كانت تشغّل الطفلة ليل نهار، لذا قررت الهروب الى القاهرة.. لتبدأ المشوار.
كانت البداية كلاسيكية بالنسبة لصبية وحيدة.. إذ بحثت عن عمل، لتجده في أحد معامل الخياطة في مهنة بسيطة تعتاش منها. لكنها كانت تحب الرقص، لذا قررت امتهانه في صالة بديعة مصابني (الأشهر آنذاك)، التي تديرها الراقصة والمغنية اللبنانية بديعة. لم تكن تلك بالصالة العادية، بل كانت مدرسة للفن تخرج فيها: فريد الأطرش، وتحية كاريوكا، واسماعيل ياسين، والراقصة ببا، ومحمد فوزي، والعديد من الأسماء اللامعة.
فارس الأحلام
كانت لهذه الشابة حكاية تستحق أن تسرد لما عانته في حياتها، بدأت من محطة صالة بديعة، حيث اللقاء بفارس الأحلام فريد الأطرش. تقدمت سامية للاختبار أمام الست بديعة، خجلة ومرتبكة، لكنها حاولت جهدها أن تعجبها لتوافق (بدعدع) -كما يدلعونها- أو ملكة المسارح -كما كانت تحب أن تلقب-. أول إجراء كالعادة هو تغيير الاسم ليكون فنياً من جهة، كذلك لعدم معرفة الأهل به، فتم اختيار اسم سامية جمال، وجرى تعيينها ضمن مجموعة راقصات يكنّ خلف الراقصة الرئيسية في العرض، الى أن جاء اليوم الذي سمحوا لها بالرقص منفردة على المسرح، فارتدت بدلة الرقص والحذاء وأطلت على المسرح ترتجف خوفاً، لكن الخوف لم يكن همّها الأوحد.. بل الحذاء!
كسرت قوالب الرقص
لم تستطع سامية الرقص بخطوات واسعة بذلك الحذاء، وكلنا نعلم أن سامية جمال هي أول من قدمت الرقص الشرقي كفن استعراضي، فقد كسرت قالب الرقص في البقعة لتنطلق بخطوات كبيرة كأنها تطير كالفراشة.. لكن الحذاء لم يساعدها في ذلك، إذ بدأ الجمهور يضحك ويلقي عليها كلمات قاسية جعلت اليأس يتسلل إليها، لذا قررت نزعه، فتوجهت نحو حافة المسرح وخلعت حذاءها وانطلقت ترقص، فأعجب الجمهور بها لتلقب لاحقاً بـ (الراقصة الحافية).
اللقاء مع فريد
نعود إلى فارس أحلام هذه الشابة البسيطة ذات الـ ١٧ عاماً .. كان فريد الأطرش غرامها الوحيد، وكانت تجمع صوره بصعوبة، لكن أين الصعوبة؟
كان مرتبها قليلاً جداً لا يكفي لدفع إيجار الغرفة والأكل والشرب والملابس، بما فيها (بدلات الرقص)، فكانت تجمع القليل محاولة شراء المجلات التي تحمل صور فريد..
فكيف التقت بحبيب العمر؟
فريد كان يعمل في نفس الصالة، لكنها لم تحدثه ولم ترَه عن قرب، بل حتى لم تحاول. وفي يوم اشترت -بعد جمعها بعض المال- مجلة كانت صورته على غلافها، وكانت سعيدة تكاد تقفز في الشارع، وتوقفت أمام باب الصالة ورأت طفلاً واقفاً فقالت له في سعادة وبراءة الأطفال:
– شوف الصورة .. تعرف مين ده يا حبيبي؟
فرد صوت من الخلف:
– ده أنا ..
استدارت لتجده أمامها.. هو فارس الأحلام وملك العود ذو الصوت الشجي.. هو فريد الأطرش.. فأغمي عليها مباشرة !
أفاقت سامية بعد غيبوبة قصيرة لتدخل في حلم طويل.. حلم لكنه حقيقة.. حلم جميل استمر من هذا اليوم من عام ١٩٤١ ليستمر حتى عام ١٩٥٢.
عندما نشاهد أوپريت فيلم (انتصار الشباب) ١٩٤١ من بطولة فريد وشقيقته أسمهان سنجد سامية تقف الى جانبه ضمن مجاميع الراقصات تنظر إليه بحب نكاد أن نلمسه..
الثنائي الذهبي
توفيت أسمهان عام ١٩٤٤ ليدخل فريد في اكتئاب حاد لم يساعده فيه غير حب سامية له، ليبدأ عصر هذا الثنائي الذهبي الذي شكل مثلثاً من غناء وألحان ورقص لم نره بعدهما أبداً. وتوالت النجاحات في أفلام هي الأشهر استعراضياً، مثل: عفريتة هانم، آخر كذبة، تعال سلّم، أحبك انت، والعديد من هذه الروائع التي أطربنا فيها فريد وامتعتنا سامية بفن استعراضي لم يجرؤ أي ناقد -عبر الزمان- على وصفه بالابتذال، ونسي الجميع الراقصة الحافية لتلقب بـ (فراشة الاستعراض والرقص).
لكن لكل فرحة في حياة سامية نهاية مأساوية.. فبعد علاقة دامت ١١ عاماً عاشاها مخطوبين -بشكل غير معلن- طلبت منه الاستقرار والزواج، لكن فريداً رفض.
فريد الأطرش كان من أصل سوري ومن أمراء الدروز، صحيح أنه فنان، لكن فكرة الزواج من راقصة، أو حتى ممثلة، كانت مرفوضة لديه.. فرفض!
صعقت سامية برفضه فقررت الهجرة الى أميركا لتتزوج من مصور أميركي اسمه (شيبرد كينج) صورها بأجمل الصور، لكنه سرق كل مالها الذي ربحته من العيش هناك لمدة سنتين فتطلقت وعادت إلى مصر.
خطبت -وهي معلومة قل من يعرفها- إلى الموسيقار بليغ حمدي لمدة قصيرة، لكنهما انفصلا، وفي عام ١٩٥٧ تعرفت إلى دون جوان السينما المصرية رشدي أباظة لتتزوجه منذ عام ١٩٥٨ الى ١٩٧٧، بعد أن مثلت أمامه الفيلم الشهير(الرجل الثاني) مع صباح التي لم تتوقع آنذاك أنها -وبعد سنوات- ستكون سبب طلاقها منه.
صدمة سامية
تركت سامية الفن وتفرغت بكل حب لبيتها ولرشدي وابنته من زوجته السابقة.. الى أن سافر رشدي لتصوير فيلم مع صباح في لبنان، لتصدم بخبر زواجه منها استغرق ثلاثة أيام فقط، (وهذه قصة مثيرة سأرويها على حضراتكم لاحقاً). عاد رشدي لتثور سامية وتهدأ، ثم تعود للثورة، فلا عودة بعدها، وطلبت الطلاق، فقد تحملت منه الكثير، تم الطلاق. وعانت سامية بعد فترة من الحاجة المادية لتعود وترقص وهي في سن الخمسين في مهرجان كان المسؤول عنه رشدي، (وتوجد صور لهذه الرقصة تظهر سامية فيها ترقص بخفة الفراشة لكن يبدو الحزن على وجهها).
عاشت بعد ذلك وحيدة زاهدة في كل شيء إلا من أغاني حبيب العمر فريد الأطرش، لكن الجيران كانوا يتضايقون من صوت المسجل ليلاً عند سماعها لأغانيه، لاسيما أغنية (حبيب العمر) التي غناها لها.
حجّت إلى بيت الله الحرام، وبقيت أنيقة وبسيطة حتى آخر أيامها حين أصابها سرطان الأمعاء بسبب قلة الأكل الذي كانت تخشاه بسبب خوفها الدائم من السمنة.
كانت وصيتها: “أخرجوني عندما أموت بهدوء من الباب الخلفي للعمارة.. فلقد دخلت هذا العالم بهدوء وبساطة وأريد أن أخرج منه كما دخلت.” فتوفاها الله يوم ١-١٢ -١٩٩٤.
وكان للفراشة ما تريد، ولكن لآخر مرة .