بعد التسويف المماطلة.. العراق يرفع الكارت الأحمر بوجه تركيا وإيران

641

طارق الأعرجي/

يواجه العراق تحديات كبرى ناجمة عن نقص تدفق المياه من دولتي المنبع: إيران، التي تغذي عدداً من الأنهار المشتركة بنسبة 18 بالمئة تعتمد عليها محافظة ديالى بشكل كامل.. وتركيا، التي تشكل الإطلاقات الواردة منها نحو 82 بالمئة من مياه دجلة و90 بالمئة من مياه الفرات، بعد أن شرعت تركيا بإنشاء العديد من السدود والمشاريع التي ابتلعت حصة العراق من المياه.
على مدار سنوات عدة، يحاول العراق الوصول الى اتفاق لضمان الحصول على حقوقه المائية عبر المفاوضات مع هاتين الدولتين الجارتين، لكن تلك المساعي قوبلت بتحويل المفاوضات الى عملية تسويف لا يبدو أنها ستصل الى نتيجة من دون اتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة تدفع كلا البلدين الى الدخول في مفاوضات جادة تكفل تدفق المياه الى حوضي دجلة والفرات.
تؤكد وزارة الموارد المالية أن الحكومات المتعاقبة والحالية لم تمنح هذا الملف اهتماماً يوازي أهميته، بالرغم من تشكيل مجلس أعلى للمياه، ما دفع الوزارة الى دعوة الحكومة لمنح ملف المياه الأولوية في تعاملاتها مع كل من تركيا وإيران واستخدام العلاقات التجارية كورقة ضغط لضمان حقوق العراق المائية، والوصول الى تدويل هذا الملف في حال عدم الاستجابة للمطالب العراقية العادلة.
أزمة حقيقية
يؤكد المستشار في وزارة الموارد المائية، عون ذياب عبد الله، أن “ملف المياه يعد من الملفات المعقدة بالنسبة للعراق لأنه بلد مصب وليس بلد منبع، وعليه فإنه يعتمد على كل من تركيا وإيران بكميات المياه الواصلة إليه، اذ ينبع نهر الفرات من شمال شرق تركيا ثم يمر بالأراضي السورية، وبعدها يدخل الأراضي العراقية. أما نهر دجلة، فينبع من ديار بكر ويدخل الحدود العراقية السورية التركية المشتركة ثم يدخل الى الأراضي العراقية أيضاً. ومن الجانب الشرقي تسهم الجارة إيران برفد نهر دجلة بمجموعة كبيرة من الروافد والوديان يبلغ عددها أكثر من أربعين وادياً ونهراً.”
وأوضح عبد الله أن الجارة تركيا، التي تعد المصدر الرئيس في تغذية نهر الفرات بنسبة 90 بالمئة ويعتمد بتغذيته بنسبة 8 بالمئة في الأراضي السورية، و2 بالمائة فقط في العراق، وعليه فإن كل مياه نهر الفرات تؤمن من الجارة تركيا. كاشفاً وجود مشكلة كبيرة في هذا النهر حالياً، فكميات المياه فيه محدودة، وإذا انقطع تدفق المياه الى نهر الفرات ستحدث أزمة حادة جداً في جميع المحافظات التي تعتمد على هذا النهر، ولاسيما منطقة الفرات الأوسط التي ترتبط حياة سكانها به، وكانت بيئة جيدة لزراعة الرز، وتعرف ببلد السواد لأنها كانت تزخر بالزراعة عندما كانت كل مياه الفرات تصل إلى العراق.
تحرك فاعل
وأشار المستشار إلى أن “هناك خطة مدروسة لتحرك فاعل في هذا الجانب، إذ وصلنا الى توقيع مذكرة تتضمن نصاً صريحاً يلزم تركيا بتأمين حصة منصفة ومعقولة من مياه نهري دجلة والفرات للعراق، وهذا النص يتطلب إنجاز مراحل أخرى لغرض السير قدماً لتحديد هذه النسب، ولاسيما مع وجود اتفاق قديم يخص إطلاقات نهر الفرات، كان في البداية مع الجانب السوري يقضي بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الحدود السورية التركية، منها 58 بالمئة للعراق أي ما يعادل 290 متراً مكعباً في الثانية على الحدود العراقية السورية في حصيبة، وهذا معمول به، لكن هناك إخفاقات تعود الى الجانب التركي الذي لا يطلق الكمية المتفق عليها، وهناك متابعة مستمرة بهذا الصدد.
أما بخصوص نهر دجلة، فإن الوزارة ترغب في الوصول مع الجانب التركي الى اتفاق حول كيفية تقاسم المياه، وقد صلنا الى مراحل جيدة من المباحثات والعلاقات، والرئيس التركي عين فريقاً يترأسه وزير سابق واعتبره ممثلاً شخصياً له لإدارة هذا الملف، في الوقت الذي كلف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وزير الموارد المائية واعتبره ممثلاً شخصياً له في هذا الملف بهدف الوصول الى حل كامل في هذا الجانب، وبالفعل هناك خطوات عملية واتصال مستمر بين الجانبين بشأن الكثير من النقاط المختلف عليها، كما أن هناك ايضاً وفداً سيذهب الى تركيا قريباً لهذا الغرض.”
تسويف وممطالة
وأعرب المستشار عبد الله عن أسفه لأن “الجارة تركيا تلعب على عامل الوقت وتحاول أن تسوف في هذا الموضوع بهدف إنجاز جميع مشاريعها وخططها، إذ أن لديها مشاريع كبيرة في منطقة الكاب جنوب شرق الأناضول التي تمتد من غازي عنتاب الى منطقة ديار بكر، وهي مهتمة بإنشاء مشاريع إروائية كبيرة في هذا المكان لغرض تثبيت السكان وتهيئة فرص عمل، وتسعى الى تطوير المنطقة، لكن هذا التطوير يجب أن لا يكون على حساب العراق، ولهذا السبب نحن نثير هذا الموضوع بشكل جدي معهم.”
وتابع المستشار عبد الله: “لطالما أكدنا للجانب التركي على ضرورة الوصول الى اتفاق قبل إنجاز مشاريعهم، لكنهم مع الأسف يماطلون في هذا الملف، ونحن كوزارة استنفدنا كل ما لدينا من الناحية الفنية ولدينا تصور كامل عن هذا الملف، ويبقى الأمر في ساحة الحكومة العراقية، لأن عليها أن تأخذ هذا الموضوع على محمل الجد، وهناك تحرك في هذا الجانب، وهناك عمل، إذ توجد لجنة عليا للمياه حالياً برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء، منهم وزراء الخارجية والزراعة والوزارات ذات العلاقة. وبالرغم من ذلك ندعو الحكومة أن تمنح الأسبقية لملف المياه في كل تعاملها مع تركيا وإيران، ويجب أن يكون جهدها مستمراً، ولا ينتهي بعام او عامين، وأن يعتبر ساسة العراق ملف المياه هو الأول، واستخدام العلاقات التجارية كورقة ضغط، وهذه مهمة الدولة، وربما إذا وصلنا الى طريق مسدود سنعمل على تدويل ملف المياه لأن مصلحة العراق هي الأساس.”

ديالى اكبر المتضررين
أضاف عبد الله أن “المياه التي تتدفق من الجانب الإيراني لا تؤثر على نهر الفرات لكنها تسهم فقط برفد نهر دجلة بما نسبته 18 بالمئة من المياه، لكنها تؤثر بشكل كبير على محافظة ديالى وبعض المناطق، مثل نهر كلال بدرة الذي يروي بدرة وجصان وهور الحويزة، كما ترفد نهر دجلة من الجانب الإيراني مجموعة كبيرة من الروافد تقدر بأربعين رافداً، إضافة الى وديان موسمية تنقل المياه أثناء موسم الأمطار وتتدفق فيها السيول، وهناك أنهار دائمية منها الفروع التي تصب في نهر الزاب الأسفل، التي تصب في سد دوكان، والنهر الآخر المهم جداً هو نهر سيروان الذي يصب في سد دربندخان ويشكل جزءاً من الحدود المشتركة بين العراق وإيران، إضافة الى مجموعة أنهر أخرى تصب جنوب دربندخان، كذلك نهر الوند في خانقين، ثم مجموعة أنهر تصب في نهر ديالى، الذي يعد المتضرر الأول نتيجة قطع أنهر سيروان والوند وزكمان وعباسيان ومجموعة أنهر أخرى ترفد نهر ديالى، إذ قطعت بالكامل وتم تحويل مياهها، وهذه مشكلة كبيرة سببت للوزارة إحراجاً كبيراً لأن محافظة ديالى لا يمكن تغذيتها بالمياه إلا من خلال هذه الأنهر والجداول والوديان، إذ أن مناسيب أرض ديالى أعلى من مناسيب نهر دجلة، وهذه الطبيعة لا تمكننا من إيصال المياه الى المحافظة بشكل طبيعي إلا عن طرق الضخ، وهذا أمر مجهد، وحاولنا أن نعالج المشكلة عن هذا الطريق إلا أنه غير ناجح.”
تقاسم الضرر
وبين المستشار أن “الجانب الإيراني يعاني بالفعل من الجفاف، لكن يجب أن يكون تقاسم هذا الضرر من باب حسن النية والمفاهيم الدولية، لا أن يجري قطع او تحويل الأنهر والجداول، وعليه يجب أن تكون هناك حوارات واجتماعات مشتركة للتفاهم على هذه المواضيع، وهناك تحرك كبير، لكن للأسف لم يتحقق اللقاء، الذي نأمل أن يتحقق قريباً، فقد وصلنا الى أبواب مغلقة في هذا الجانب، لذا قد نذهب باتجاه تدويل هذا الملف، لكننا حالياً نسعى الى التفاوض والجلوس مع الجانب الإيراني كي نرى وجهة نظرهم ومحاولة حلحلة هذا الملف بما يخدم مصلحة الشعبين الجارين.”