التقاعد.. نظام غير مستدام بقانون ظالم
مرتضى العزاوي باحث اقتصادي
نظام التقاعد في العراق لا يحمي المتقاعدين من تقلبات الأسعار، على الرغم من أنه يعتمد كثيراً في تمويله على موازنة الدولة، وهو يتكون من نظامين منفصلين يغطيان العاملين في القطاعين العام والخاص، والنظامان يتبنيان آلية الدفع المسبق مع الوقت،إذ تجري إدارة تقاعد القطاع العام بواسطة هيئة التقاعد الوطنية التابعة إلى وزارة المالية، بنظام يشمل الموظفين: المدني والعسكري وعوائل الشهداء، في حين تجري إدارة نظام تقاعد القطاع الخاص بواسطة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الذي يغطي جزءاً بسيطاً جداً من العاملين في القطاع الخاص.
بالإضافة إلى هذين النظامين، هنالك الآن قرابة المليون متقاعد يتسلمون رواتبهم التقاعدية بشكل مباشر من الموازنة العامة للدولة، غالبيتهم من المتقاعدين قبل عام ٢٠٠٦، وهو العام الذي جرى فيه إنشاء نظام تقاعد القطاع العام الحالي، ومن المفترض أن هذه المبالغ تنخفض بشكل سنوي.
قانون لمتقاعدي القطاع العام
على الرغم من أن نسبة الإنفاق على التقاعد تبلغ ٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعتبر عالياً بالقياسات العالمية، فإن نظام التقاعد الحالي لا يغطي سوى ٤٥٪ من مجموع القوى العاملة في البلد، الذين غالبيتهم هم من العاملين في القطاع العام، والبالغ عديدهم حالياً قرابة الثلاثة ملايين مساهم .فيما يبلغ عدد المساهمين في نظام تقاعد القطاع الخاص نحو ٢٠٠ ألف فقط، وهم يمثلون ٤٪ فقط من مجموع العاملين في القطاع الخاص البالغ عديدهم خمسة ملايين عامل حالياً، ولا يوجد لحد الآن نظام تقاعد أو ضمان اجتماعي خاص بالأعمال الحرة والكسبة.
نظام غير مستدام
وبالإضافة إلى نسبة التغطية المنخفضة للعاملين، فإن نظام التقاعد الحالي يواجه تحديات صعبة جداً أهمها :أن النظام الحالي غير مستدام مالياً، إذ أن الإيرادات المالية من المساهمين (الشخصية والحكومية) لا تغطي الرواتب التقاعدية كافة، فحسب آخر تحليل صادر من متخصصي البنك الدولي، بالتعاون مع وزارة المالية، فإن نظام تقاعد القطاع العام سيعاني من العجز بحلول عام ٢٠٢٥، و بالتالي زيادة الاعتماد على الموازنة العامة -المنهكة أصلاً- لتغطية الرواتب التقاعدية، ما يعني -عملياً- أخذ الأموال من القطاعات الأخرى، مثل الكهرباء والصحة والبنى التحتية والأمن لتغطية هذه النفقات.
قانون ظالم
يلاحظ غياب العدالة في نظام التقاعد الحالي، الذي ينتج عدم مساواة كبيرة بين العاملين في القطاعين العام والخاص، إذ يجري دعم متقاعدي القطاع العام بمبالغ سخية جداً تصل إلى ١٥٠٪ بالمقارنة مع متقاعدي القطاع الخاص الذين لا يتم دعمهم إطلاقاً.
ويعاني النظام من عدم وجود آلية لتكييف النظام الحالي مع التطورات الاقتصادية والنقدية، ما يعرض المتقاعدين إلى خطر خسارة قوتهم الشرائية عند ارتفاع معدلات التضخم.
كما أن نظام التقاعد الحالي يستند إلى قانون التقاعد المشرع عام ٢٠١٤ والمعدل عليه عام ٢٠١٩، وهو قانون لا يحترم أبسط مبادئ تصميم الصناديق التقاعدية.
علماً أنه كان هنالك مشروع قانون مقترح من صندوق التقاعد ووزارة المالية، بمساعدة البنك الدولي والمؤسسات العالمية المتخصصة، حصلت الموافقة عليه في مجلس الوزراء عام ٢٠١٦ لكنه لم ير النور في مجلس النواب بسبب التنافس السلبي للأحزاب السياسية والخوف من ردود الأفعال الشعبية.
حلول:
هناك جملة مقترحات لتعديل هذا النظام، في مقدمتها تعديل قانون التقاعد الحالي وإعادة النظر في نسبة الاستقطاعات والمساهمات، وإعادة فرز المستحقين ومعالجة موضوع ازدواج الراتب التقاعدي لبعض الفئات، وذلك للوصول إلى قانون يوفر الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية لجميع فئات الشعب، وذلك بإعادة هيكلة فورية لهيئة التقاعد الوطنية وصندوق التقاعد ضمن القانون المعدل، وذلك لضمان الاستدامة المالية للصندوق وحماية مستقبل المتقاعدين.
ومن المهم أيضاً إعادة استثمار أموال الصندوق في المشاريع الداخلية، التي تتميز بالربح المضمون من أجل تنمية قدرات الصندوق لمواجهة العقبات المستقبلية، ووضع آلية تمكن صندوق التقاعد من التكيف مع ارتفاع معدلات التضخم، ما يحمي قدرة المتقاعدين الشرائية بما يضمن العيش الكريم لهم.
كذلك ضرورة توفير برامج حديثة استناداً الى تجارب البلدان حول العالم لشمول فئات أكبر من العاملين والكسبة في نظام تقاعد القطاع الخاص.