حياة جديدة

1٬202

جمعة اللامي/

“وأما بنعمة ربك فحدث”

(قرآن كريم)

قبل ربع قرن وقفت بـ”جبل عرفات”, وبعد أن أحرمتُ بكفني، على عادة أهلي بميسان، تذكرتُ ما جرى معي بموسم سنة 1984، حين منعني”متطرفٌ” بالسفارة السعودية بأبوظبي من الوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعندها خاطبت محمداً: “منعني عنك أتباعك”!. ولكنْ حين إقترب موسم 1990 حدث ما لم يكن بحسباني. كنت أجلس إلى صديق عزيز عليّ في مكتبه، فسالني”أترغب في الحج؟”.

“نعم”.

“توكل على الله” .

“لكن لا مال عندي”.

“يدبّرها الله”.

وهذا ما حدث فعلاً .

وكان من عادة أهلي إبتياع قماش “الإحرام” من جوار ضريح الرسول، والعودة به إلى مساقط الرؤوس. وكان بعضهم يعلق قطعة القماش في مكان خاص في بيته أو مكان عمله، بعد أن يضمها في صرّة صغيرة.

غادرتُ سكن الحجاج بالمدينة المنورة، من دون أن أُخبر أحداً، حتى وصلت دكاناً لبيع الأقمشة. كان ما عندي من مال لا يتجاوز دُريهمات. وهكذ بقيت أمام ذلك الدكان متلدّداً لا أحارُ كلاماً. انتبه إليّ صاحب الدكان وسألني: “ما حاجتك يا حاج، ولماذا تبكي؟”. قلت له : “أريد قماشاً للإحرام، والمال الذي معي ربما لا يكفي”. قال الرجل: “هات ما عندك” . أعطيت الرجل الدريهمات التي معي، فدسّها في جيبه، ثم أرجع إليّ ثلاثة دراهم، وقال : “لديك الكثير يا حاج”.

عدت إلى السكن، ثم أحرمت من هناك، متبعاً قلبي، وهرعت إلى مثوى الرسول..

وكان في جواري حاج عراقي قال لي: “اعطني كفك” . ناولته كفيّ اليمنى، وأخذ يقودني بيسر وخفة، ناظراً إليّ بين الفينة والأخرى، وهو يردد معي : يا الله .. يا الله .. يا الله.

لا أدري كم استغرقت رحلتنا إلى مثوى الرسول. لكن الحاج العراقي فاجأني قائلاً: هنا يرقد محمد”.

تسمّرت قدماي في مكاني، ثم شعرت أن الأرض تدور بي.

ولم ألتقِ بأَخي العراقي منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا.

عندما حانت ساعة وداع الكعبة، كان قلبي فارغاً إلا من حب الله.

ولا تزال صرّة كفني، تتدلّى فوق رأسي، بسقف مكتبتي المنزلية بالشارقة.