في جلسة حوارية شهدتها البصرة النجاح الذي تحقق بإشراك الفنانين الشباب في دراما رمضان

389

البصرة : محمد العبودي/

شهدت قاعة قصر الثقافة في البصرة جلسة حوارية بعنوان (الدراما العراقية في رمضان ..أخطاء متكررة ومعالجات متأخرة) أقامتها مؤسسة الإعلام العراقي في البصرة بالتعاون مع قصر الثقافة، بحضور جميل من مبدعي ومثقفي المدينة الفيحاء المعطاء وشرائح من مجتمعنا البصراوي المحب دائما للثقافة والإبداع.
قدّم الجلسة وأدار حواراتها الإعلامي علي العقابي، إذ تحاور الحاضرون في محور مهم عاشه ومازال يعيشه المشاهدون وتابعوه في التلفاز، وهو محور الدراما العراقية في رمضان، مالها وما عليها.
بدءاً تحدث في الجلسة الزميل (عباس الفياض)، مدير قناة العراقية في البصرة، أعقبه الفنان والباحث (مجيد عبد الواحد)، ومن ثم الكاتب (عبد الخالق كريم)، الذين تطرقوا إلى عالم الدراما العراقية في رمضان الفائت، والتنوع الذي شهده المشاهد وهو يتابع عبر الفضائيات مسلسلات كان لكل مشاهد رأي في طروحاتها ومضامينها والرسائل التي يبعث بها كل مسلسل، لتكون النتيجة النهائية آراء مختلفة ووجهات نظر متباينة وطروحات تحمل الكثير من الانطباعات.
الموسم ضمَّ 25 عملا
المشاركون في الجلسة تحدثوا عن مسلسلات رمضان في هذا الموسم الذي ضمّ 25 عملاً، منها مسلسل (خان الذهب)، الذي تدور أحداثه في إطار درامي حول أسرتين مشهورتين في عالم التجارة والأعمال تنشأ بينهما سلسلة من المشكلات والصراعات، وتتوالى الحلقات في هذا الإطار، وأيضاً مسلسل (بغداد الجديدة) الذي تدور أحداثه في إطار من الجريمة حول عدد من الشخصيات النافذة، يجمع بينهم عالم التجارة وتهريب السلاح والمخدرات، إذ تنشأ بينهم سلسلة من الصراعات والمعارك.
وكذلك مسلسل (محتوى هابط)، الذي قدم قصصاً وحكايات مختلفة تتنوع ما بين الدراما والكوميديا، إذ إن كل حلقة من حلقاته غير متصلة بما قبلها، إذ تعرض موضوعاً جديداً يتعلق بالواقع الاجتماعي والحياة الزوجية. وأيضا مسلسل (المتمرد) الذي تدور قصته حول شاب مشاغب كثير المشكلات يُدعى أصيل، يسعى دائماً للحصول على أي دليل يثبت وجود عائلته، تساعده في ذلك محامية شابة مغرمة به.
كذلك شاهدنا مسلسل (غيد) الذي يناقش بعض المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي، وذلك عبر قصة (غيد)، المرأة الناجحة التي تواجه سلسلة من الصعاب والتحديات في حياتها بعد زواجها. ومسلسل (تاتو) الذي تتبعت أحداثه قضايا بعض النازحين العراقيين وما يواجهونه من تحديات وعقبات قاسية في ظل حياتهم الصعبة داخل مخيماتهم. ومسلسل (الماروت) الذي تناول بعض الأحداث التي شهدها العراق في سنواته الأخيرة، التي أثرت فيه بشكل كبير، وذلك عبر قصة امرأة بسيطة فقيرة تعيش في حي البتاويين الذي يقع في بغداد، حيث تتعرض إلى ظلم كبير، حتى تقرر ذات يوم استجماع قوتها لمساندة الشباب ومساعدتهم. وغير ذلك من المسلسلات التي مازالت تعرض من على شاشة التلفاز في عدد من القنوات العراقية .
الدراما.. مالها وما عليها
المتحدثون والمحاورون في الجلسة، عند تناولهم موضوعة الدراما العراقية في مسلسلات شاهدناها في ليالي شهر رمضان، أشاروا إلى أن موسم رمضان 2023، بالنسبة للدراما العراقية، كان موسماً استثنائياً، ولاسيما بعد أن نجح في تقديم مسلسلات تعالج في سيناريوهاتها قصصاً سياسية ومجتمعية بطريقة احترافية، وذلك بجانب الانتقالة الفنية التي يمكن ملاحظتها بشكل لافت، بالإضافة إلى منح الفرصة لشباب واعدين، كما أشار المتحدثون إلى أن المسلسلات العراقية حضرت في موسم دراما رمضان 2023 بشكل متميز، تمكنت من منافسة الأعمال العربية الأخرى، برز فيها الاتجاه نحو الرومانسية في الكثير من الأعمال هذا العام، وهو ما فسّره البعض من المهتمين بالشأن الإبداعي بأنه يعود إلى حالة الاستقرار التي تعيشها البلاد في ظل وضع أمني جيد، إذ لا حروب ولا تناحر، ليترجم صنّاع الدراما السلام الذي يبحثون عنه عبر الحب على الشاشات، واعتبروا أن العراق يشهد نقلة نوعية على مستوى الإنتاج المحلي، وأثبت هذا النجاح قدرته على استقطاب شريحة جديدة من الشباب العراقي. كما تحدث المشاركون أيضاً عن دور الكاتب والمخرج والمنتج والممثلين وغيرهم في إنجاح العمل الدرامي، وضرورة إيصال فكرة أي مسلسل إلى المشاهد بالشكل الذي يشده لمتابعته، مع ضرورة نجاح المخرج في اختيار الزاوية المناسبة واللقطة المناسبة والحركة المناسبة، فهذه كلها من أسباب نجاح كل عمل، ولاسيما الدراما.
كذلك أشاروا إلى أن الممثل جزء مهم من النجاح أيضاً في الدراما، كونه يقدم مشهداً إبداعياً خلاقاً لا يستطيع أن يفعله أو يجسده شخص آخر، لأن التمثيل هو أن يتبنى الممثل النص ويعيشه، وأن التمثيل قضية مجتمع، ولابد من تقديم الدور بالشكل الذي يحقق الفكرة والرسالة التي يوجهها. وتحدث المحاورون أيضاً عن التسويق، وأكدوا أن الدراما العراقية تفتقر إلى التسويق، وأن هناك أهمية كبيرة للجانب المرئي في الدراما، وإيصال فكرة المسلسل بالشكل المطلوب ولابد من المغامرة الذكية في المبادرة الإبداعية.
الخلاصة..
الإعلامي (عباس الفياض) طرح عدداً من المعضلات التي تواجه الدراما العراقية، ومر عليها مروراً سريعاً، لكنه أعطى الجانب المادي (الإنتاج) أهمية أكبر، فإلى جانب النص الجيد والاختيار الدقيق للموقع والشخصيات والمؤثرات والإخراج والأداء، فإن الإنتاج يعد المعرقل الأكبر والمهم الذي يوقف أو يسوق أي عمل درامي.
وتجربة شبكة الإعلام كانت مهمة، إذ نجحت بإنتاج أعمال كثيرة ومهمة، من بينها (ضياع في حفر الباطن) و(رازقية) و(أميرة) …الخ .لكنها تعثرت نتيجة توقف التمويل الذي حجب عن الشبكة بعد عام 2014 بسبب انشغال البلد بمعالجة وتحرير الأراضي العراقية من داعش الإرهابي.
ومع أن المخصص للشبكة كان قليلاً بالنسبة إلى المرصود من إنتاج في القنوات الخليجية أو العربية المهتمة بالدراما، مثل سوريا ولبنان ومصر، لكن التمويل للدراما يتراوح بين 6-12 مليار دينار عراقي.. وما يعادل خمس الأجر لممثلي ونجوم الصف الأول،
الذي يقدر بـ5 ملايين جنيه أو دولار .
من جانبه، أوجز الكاتب (عبد الخالق كريم) مشكلة الدراما بأنها (اغتيال) منظم للثقافة بشكل عام، وليس على صعيد الدراما فحسب.. بدليل أن أقل موازنة في الوزارات تخصص لوزارة الثقافة، وهذا ينسحب بدوره على جميع المفاصل الثقافية، ومنها الدراما..
ثم ان هناك تغييباً واضحاً لشركات الإنتاج والتسويق، وبتعمد، من خلال اللجوء إلى أشخاص غير مؤهلين للإنتاج ويخولون (مقاولين) همهم الأرباح قبل القيمة الفنية والإبداعية، وهذا ناجم عن عدم الحرص وعدم الاهتمام بالدراما، فهناك دول تسعى لتسهيل الأعمال والمسلسلات وتشجيع الشركات للعمل فيها من خلال خصم أقيام الدعم المقدم، كـ (رعاية)، أو خصمه بشكل أصولي ورسمي من الضريبة العامة بعد تقديم مستندات موثقة لدعم الإنتاج الدرامي، وهو ما يجري في الأردن، لأن الحكومة شرعت قانوناً بذلك، وهذا يؤمن للدراما تمويلاً واضحاً، ويحمي الممول في نفس الوقت.
أما الفنان الممثل (مجيد عبدالواحد) فكانت له قناعة بأن فشل الدراما العراقية واضمحلالها يعزى إلى عدم الجدية في الإنتاج الدرامي، إضافة إلى سوء الاختيارات في تحديد المواقع والممثلين والفنيين والإخراج، وكذلك النص .وهناك جملة من الحلول من شأنها الارتقاء بمستوى الدراما في العراق، من أهمها تخصيص مبلغ مالي مناسب يوضع تحت تصرف شركات إنتاج متخصصة، وليس لمنتج منفذ يتعامل مثل (المقاول) مع الفنانين، وليس على طريقة (الصندوق) الذي استحدث مؤخراً، الذي وصلته مبالغ مخجلة لا يمكنها أن تنتج حلقة واحدة في دراما محترمة.
كما أن على الفنانين جميعاً أن يضعوا نصب أعينهم أن يتحدوا ويعملوا كخلية نحل، ليس في التمثيل أو الإخراج والمؤثرات، وإنما في الإنتاج والبحث عن بدائل غير مطروقة ومفيدة، مثل تنويع مصادر التمويل والانفتاح على الشركات الرصينة الراغبة والمحبة للفن العراقي وللدراما المحلية.