الدكتورة عواطف نعيم: لا نسمح بأقصائنا أو بالتعامل بما لا يليق بنا..

409

حوار محسن إبراهيم – تصوير: حسين طالب/

ليس من السهل أن تحاور شخصية مثل شخصية الدكتورة عواطف نعيم، فمهما حاولت أن تمسك بأطراف الحديث معها سيأخذك تاريخ من الإبداع في الكتابة والتمثيل, إذ إنها منذ بواكيرها الأولى أينعت موهبتها, وكان الكتاب محطتها الأولى،
نهلت من الأدب العالمي, لتحلق في عالم الحلم وترسم ما قرأته على خشبة المسرح, لتضع خطواتها الأولى على طريق الإبداع. الدكتورة عواطف نعيم حلت ضيفة على مجلة “الشبكة العراقية”:
* لكل مسيرة مميزة لابد من أن تكون هناك بداية مختلفة..
– أولاً شكراً لكم لإتاحة هذه الفرصة، أنا أؤمن أن سيرة الفنان يجب أن توثق وهو حي. نعم، قد تكون البدايات مختلفة عند الكل، لكن المهم هي النتائج عندما تكون سليمة، إذ إن هذا يعني أن البداية سليمة, ربما بداياتي كانت مع المدرسة، أو ربما من خلال الأسرة، وهذه حقيقة، لأن الأسرة هي من تفسح لك المجال كي تبدع وتنمي موهبتك, فضلاً عن تبني الموهبة من قبل المعلمة في الدراسة الابتدائية، وتقديمك في النشاطات المدرسية والأعمال الفنية، هذا يأتي أيضاً من التشجيع، وكذلك خلال الدراستين المتوسطة والإعدادية، حين تجد أن هناك جواً ملائماً من خلال الكادر التدريسي في احتضان موهبتك وتسليمك مكتبة كبيرة، إذ تكون لديك فرصة كبيرة للقراءة. في الدراسة الإعدادية كان المجال أوسع، حين سمح لي بتأسيس فرقة تمثيلية، أنا أكتب وأخرج وأمثل مع زميلاتي، هذا الولع نما عندي في هذه الأجواء، لذلك كانت النتائج سليمة.
* بداياتك كانت متجهة إلى الإذاعة والتلفزيون كمذيعة.. كيف دارت البوصلة نحو التمثيل؟
– نعم، ومن خلال المرحوم جبار عباس الذي أخبرني أن الإذاعة بحاجة إلى مذيعات، حينها كنت طالبة في الثانوية، توجهت إلى مبنى الإذاعة، فكانت الصدفة، إذ إنني بدل التوجه إلى ستوديو المذيعات توجهت إلى ستوديو آخر كان حاضراً فيه الفنان الكبير طعمة التميمي، وكان يظن أني الممثلة المتأخرة، فصرخ بي: “ادخلي الاستوديو بسرعة” لأجد نفسي، بمواجهة الفنانين فوزية عارف وسامي عبد الحميد، وكانا يقدمان ملحمة كلكامش. كانت لي القدرة على أن أتقمص دور جارية عشتار دون تردد أو خوف ليكتشف التميمي فيما بعد أني لم أكن ممثلة وإنما حضرت لأداء اختبار المذيعين، فيصر، هو والفنان كريم عواد، على بقائي ضمن كادر التمثيل، ولله الحمد استمرت المسيرة. فعلاً الإذاعة كانت عبارة عن مدرسة تعلمت فيها الكثير من طرق الكلام والتصرف وكيفية الإحساس بالكلمة لإيصالها إلى المستمع بكل صدق, كما تعلمت فيها العصف الصوتي وسلامة اللغة.
* طرقت باب الكتابة مبكراً.. من أين جاء هذا الولع؟
– هي موهبة, وأول عمل كتبته أخرجه الأستاذ الراحل عبد المطلب السنيد، وكان عبارة عن قصة قصيرة كتبتها للإذاعة، وكم كانت الفرحة غامرة حين ذكر اسمي لأول مرة في ميكرفون الإذاعة. وتوالت الأعمال فيما بعد. وأول تجربة كتابة للمسرح الذي كنت مسحورة به كان عمل (لو) الذي أخرجه الفنان الكبير عزيز خيون، كانت تلك انتقالة كبيرة عرفت من خلالها أن الكتابة هي مملكتي التي أستطيع أن أبوح من خلالها عن الأشياء المسكوت عنها من خلال أعمال مسرحية. أما الاخراج فهو مملكتي الأخرى، درسته على يد أساتذة كبار مثل عوني كرومي وصلاح القصب وعقيل مهدي وعزيز خيون، وكانت غالباً أعمل كمساعدة مخرج مع هؤلاء الكبار.
* كتابة وتمثيل وإخراج ونقد.. ماذا يعني الفن في فلسفة عواطف نعيم؟
– الفن هو الحياة, هو القدرة على أن تتصور الحياة كما ينبغي أن تكون, الفن ثقافة وتجربة ومعرفة وصمام أمان، ولاسيما في المجتمعات التي تعاني من الاختلاف والصراع، الفن هو صمام أمانها، فهو يعلًم الناس ويثقفهم، لذلك فإن الفن نعمة من الخالق سبحانه كي يعلم الإنسان ما لا يعلم.
* جيلكم ممتلئ بكل شيء.. ما الفجوة التي حدثت ليختفي هذا الجيل؟
– الموهبة والمقدرة الشخصية والمكانة في المجتمع هي نعمة من الله سبحانه وتعالى, ونحن أسسنا وسعينا لهذه المكانة بجهودنا وثقافتنا، فضلاً عن الكثير من التضحيات التي قدمناها. نحن لا نسمح بإقصائنا ولا نسمح بالتعامل معنا بما لا يليق بنا, لذلك آثرنا الانزواء، لكننا موجودون حين تكون هناك ضرورة للتواجد، لكن حينما نُزاح ونعرف أن هناك من يزيحنا لجهالة وليس لأنه أفضل منا، وإنما لقلة الشأن يزاح الكبار حتى يبقى من هو صغير الشأن، فنحن نعرف قيمتنا، ولكي تحفظ مكانتك ابتعد عن الصغائر وترفّع عن المهاترات.
* في مسلسل (خان الذهب) كان حضورك لافتاً على الرغم من كونك ضيفة شرف.. هل هذا يعزز ما ذكرته سابقاً؟
– نعم، وهذا ما يعزز مقولة الكبير (ستانيسلافسكي) حين قال إن “ليس ثمة دور صغير ودور كبير، بل يوجد ممثل صغير وممثل كبير.” وعندما عرض علي مسلسل خان الذهب واتصل مخرج العمل من لبنان كي أقبل أن أكون ضيفة شرف في خمس حلقات، وحين قرأت النص رأيت أنها شخصية نبيلة، وكانت لي آفاق للعمل عليها بما يليق بها, الكثير ممن شاركوني العمل أبدوا استغرابهم متسائلين كيف لعواطف نعيم أن تقبل بخمس حلقات؟ لكني كنت أخطط إلى أن يكون لتلك الشخصية بعد آخر، وأصررت على أن يكون كل ما يخص الشخصية من ملابس وطريقة أداء هو لي فقط دون تدخل أحد، فكانت الإشادة من كادر العمل والفنيين ومن ثم الجمهور.
* نلاحظ أن هناك أزمة حقيقية في الكتابة للمرأة..
-ليست هناك أزمة، أنا لفترة ما كنت أجيز النصوص في شبكة الإعلام العراقي، وكانت ترد نصوص هائلة، أذكر منها نصاً للكاتب عباس الحربي تحت مسمى (أسنان الأرض)، كان نصاً بديعاً، ونصاً آخر اسمه (كلام في الحب) للكاتب صباح عطوان, وأيضاً للكاتب فاروق محمد، ونصوصاً لكتاب شباب، أجيزت كل هذه النصوص لكنها وئدت، وهي تعاني الإهمال على رفوف شبكة الإعلام العراقي, لا أعرف لمَ نضطر لشراء أعمال مصرية وسورية ونستكثر على الفنان العراقي أن يقف أمام الكاميرا، وأنا أحمِّل شبكة الإعلام تلك المسؤولية، لأنها حاضنة الفنان العراقي وبيته الأول، وهي صوت كل المبدعين والمثقفين العراقيين. هناك فضائيات تعمل وفق أجندات معينة، ونحن كوطنيين لانقبل بتلك الأجندات، ولا نقبل أن نكون جزءاً منها. أنا خير من يكتب عن المرأة، لكوني أحمل همومها وأعرف كيف وبماذا تفكر، لكن -كما ذكرت- أن هناك قنوات تريد أن تقحم السياسة بالفن من خلال ما يطلبونه من نصوص، وهذا لا يتوافق مع ما نصبو إليه.
* هناك سؤال يدور في أذهان الكثيرين هو “لمَ (آل نعيم) محارَبون؟”
– هذا صحيح، ذلك لأننا نمتلك فكراً يسارياً منذ القدم، وتربينا في عائلات، صحيح أنها كادحة، لكنها تميل إلى هذا الفكر الإنساني، زوجي الأستاذ عزيز خيون حين التقيت به كان يحمل نفس الفكر, بالمناسبة أنا ضد الإلحاد وأنا امرأة مؤمنة أقرأ القرآن واستنير به وأصلي وأصوم، لكن الفكر شيء آخر، أنا أؤمن بالإنسان في كل مكان، وأن من حقه أن يعيش بكرامة وأن يتمتع بثروات بلده, ولأن هذا الفكر يخيف بعضهم، فقد كنا نعيش تحت الحصار، وهذا الأمر جرى على الدكتورة إقبال ونعيم وعلى بناتي، وحتى على عائلة عزيز خيون، كل هؤلاء دفعوا الثمن, لكننا لم نتغير، وما زلنا كما نحن، وأنا أول امرأة تكتب عن السيدة زينب حين جسدتها على خشبة المسرح، انتماؤنا للوطن فقط، لكننا محاربون فكرياً، إذ كلما أكتب عملاً ما تبدأ الأصوات من هنا وهناك، ماذا تقصد؟ وإلى أي شيء تشير؟ أنا أكتب من خلال رسالة إنسانية وطنية.. فقط لا غير.