هواة الحياة
نرمين المفتي/
لم أحترف الحياة يوماً، قررت منذ أن صادرت أول حرب أحلامي، ألا أخطط ليومي أبداً، أن أستمر هاوية حياة، كيلا يصيبني الاحتراف بخيبة أمل.
تركت يومي يقررني، لذلك لا أعرف الندم ولا أرجع للذكريات، ولا أحب أن ألتقط صوراً لي، إلا فيما ندر، وإن كان دائماً هناك من يرسل لي صوراً كان قد التقطها لي، قبل ابتكار موضة (صورني وآني ما أدري).. وصورة اتسلمها، أو قصيدة أقرأها، وإن كانت لم تكتب لي، لكنني أجدني فيها، أغمض عيني لدقيقة قد تطول وأتساءل فيما لو أني كنت احترفت الحياة، هل كان الأسى ليتمكن مني بسبب صورة أو قصيدة؟
لم أحاول يوماً أن أجد ابتسامة أو لحظة حب في صورة، لأبعد الأسى عني وإن ابتعدت عن الذكريات، تخرج ضحكة لي كانت قد اختبأت في زاوية البيت، أو القلب، ولطالما تساءلت، أية قدرة تملكها الضحكة لتختبئ لسنوات، وتخرج لتحيل اللحظة إلى دمع.. احتراف الحياة ليس بمهمة يسيرة في بلد مثل العراق، حيث لعقود طويلة استمر الموت فيه أسهل من الحلم، لكن هناك من احترفها بإتقان، وبينهم الثلاثون مليارديراً الذين أشار إليهم في حوار تلفزيوني وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاوي. بينما أشار الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في وقت سابق الى إن عددهم 36، وأضاف أن في العراق أيضا ً16 ألف مليونير، هؤلاء محترفو حياة بامتياز، لا يحترمون حياة الآخرين.
وقبل أن أكمل، لابد لي من القول إن هناك بينهم عدداً قليلاً جداً من الذين كانوا أثرياء ومعروفين قبل أن يجتاح الفساد البلد. الفاسدون بمهارة احترافهم، يغيرون وجوههم ويركبون الموجات ويستمرون، في الوقت الذي بالكاد تقل نسبة القابعين عند خط الفقر أو تحته. إزاء هذا الاحتراف (المميز) لابد من أن تكون الإجراءات للحد من الفساد مميزة أيضاً، لتدفع الفقراء الى أن يعتقدوا بأن هناك من سيعيد الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، ولاسيما تلك التي جرى تهريبها إلى خارج العراق، وإن كانت مثل هكذا عمليات استرداد صعبة جداً.
وهناك أيضاً، بين محترفي الحياة، أولئك الذين يمنحون وعوداً كاذبة ويستغلون وجع وأحلام البسطاء. يعرف الذين لم يحترفوا الحياة مقولة لمولانا جلال الدين الرومي يقول فيها “لا يخضر الحجر سواء في الربيع او مع الوقت، كن تراباً وانتظر أن تتفتح الأزهار، قلبك الحجري كسر قلوباً كثيرة، كفى، كن تراباً تنبت عليك الأزهار.”
لكل هواة الحياة تحية، وإن كانت خيباتهم كثيرة.