الحل السحري في أغاني كوكب حمزة
د. حسان عاكف
الزمان: ربيع عام 1984
المناسبة: سفرة إلى الغوطة بمناسبة الأول من أيار
كان عددنا يتجاوز الثمانين، انطلقنا بسيارتين كبيرتين من (منطقة المزرعة) في مركز دمشق متوجهين نحو بساتين الغوطة. كانت دمشق يومها مركزاً لتجمع غالبية الكتّاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين، الهاربين من جحيم الدكتاتورية، الى جانب مئات العائلات العراقية من معارفنا وأصدقائنا.
أذكر ممن كان مشاركاً معنا في الرحلة من الفنانين والكتّاب: الراحل كوكب حمزة، وزهير الجزائري، وعواد ناصر، ومخلص خليل، وإبراهيم الحريري، ورضا الظاهر، وسامي كمال، وبلقيس السنيد، وعشرات من الأصدقاء وعائلاتهم. ومن السوريين كان معنا الكاتب ممدوح عدوان، الذي أتحفنا بعدد من الطرائف عن (العراقيين)، وكذلك الفنانة السورية بشرى.
كانت شوارع دمشق التي قطعناها في ذلك الصباح شبه خالية، إذ إن اليوم كان عطلة رسمية بمناسبة عيد العمال، ويبدو أن هذا الامر شجع سائق حافلتنا لاقتراف (جنحة) مرورية كي يختزل وقت ومسافة الرحلة بدقيقة أو دقيقتين وبستين متراً.. ليس أكثر. لكن فجأة ظهر شرطي مرور (بوليس سير) أمام السيارة من تحت ظل شجرة ضخمة وأوقفنا، وطلب من السائق النزول واللحاق به الى ظل الشجرة مع إجازة السياقة. لم يكن أمام السائق ما يفعله سوى الامتثال لـ (أوامر) الشرطي، وبادر عدد من الأصدقاء لمرافقة السائق. طال انتظارنا في السيارة، فنزل عدد آخر من الأصدقاء، بضمنهم كوكب حمزة والتحقوا بالوجبة الأولى من المفاوضين لإطلاق سراح (الإجازة). لكن الشرطي بقي مصراً على موقفه بالسماح للسيارة بالذهاب ولكن بعد حجز إجازة السياقة. من جانبه، السائق ومعه (وفود المفاوضين) كانوا يعتذرون للشرطي ويتمنون عليه التساهل قليلاً كي لا يحرمهم من يوم ممتع، لكن دون جدوى.
فجأة نزل زهير الجزائري من السيارة والتحق بالمفاوضين، وبعد دقائق عاد الجميع مع الإجازة والسائق غارقين في ضحك ومزاح متواصلين. لم تكن هناك حاجة كي نستفسر، نحن الجالسين في السيارة، إذ تطوع أحد (أعضاء الوفد المفاوض)، وهو ما يزال على رصيف الشارع بإيجازنا بالحل السحري الذي ابتكرته مخيلة زهير الساخرة (المهضومة) ليخبرنا أن زهيراً حال وصوله التفت الى الشرطي وسأله:
– انت سامع أغنية (يا طيور الطايرة مري بهلي)؟
فرد الشرطي متعجباً:
– كيف ما سامعها، مين بسوريا ما سامعها، وما بِيحبها؟
عندها تأكد زهير من الوتر الحساس عند الشرطي، وقرر الضرب عليه وهو يؤشر على كوكب حمزة:
– شوف هذا الشاب، إنه ملحنها، وإذا تريد تتأكد أكثر، العود بالسيارة وهسه نجيبه ويسمعك الأغنية.
وهنا ارتسمت ابتسامة ارتباك وارتياح على وجه الشرطي، ولم يكن أمامه سوى أن يسلم الإجازة للسائق وهو يرد مازحاً على زهير:
– “يا أستاز ياريت يصير أسمع (الغنية)، بَسْ آنا في الواجب، بعدين أنا أصير المخالف ويخلوني بالحبس بمكان (شوفيركم)، يا عمي الله معاكو، انتو باين عليكو ناس أوادم، والعراقيين على راسنا من فوق.”