آزنيــف!

122

جمعة اللامي/

إذا جلبت معي تحفة صينية، فلسوف يسرقها جباة الضرائب على البضائع المستوردة في الموانئ. وإذا تأبطت كتاباً – والعياذ بالله – سأتهم بأنني أريد التعرف على أدب “المنافي” الإنسانية.

“لو لم أكن شاعراً، لصرت جندياً”
( فيكتور هوغو )

حدثني غريب المتروك، قال: هاتفني أحد أبناء عمومتي من بغداد، فقال: لا تقلق علينا فنحن لا نزال نمتلك رمقاً من الحياة وجبالاً من الكرامة، وقارات من الصبر، لنتحمل هذا الوبال الذي يحاصرنا به الأقربون والأبعدون.
قلت له: أهذه هي أخبار ابن عمك كلها؟ قال: لا، أصدرت أمراً شفاهياً إلى أبناء عمومتنا أجمعين، بعمل حراسات على مدار الساعة، بعدما انتشرت إشاعة في حينا تقول أن حمارنا “الصيني” يطلق الرصاص على كل غريب(!)
ثم تنهد قائلاً: وما أكثر الكلاب المستسبعة في بلادنا.
ابن عمي هذا – يقول المتروك، مغرم بتربية الحيوانات، ما طار منها وما زحف، وما كان منها على اليابسة وتحتها أو على سطح المياه وداخل أعماقها، حتى تحولت داره إلى “حديقة حيوان”. لكن ابن عمي في حيرة من أمره مع حماره “الصيني” هذه الأيام. وهي حكاية تستحق التسجيل، لأنها نادرة، كما أن حماره نادر أيضاً. سافر ابن عمي، واسمه “طارش”، إلى الصين لتدريس اللغة العربية هناك. وبعد سنتين عاد ومعه هدية واحدة فقط: “حمار” صيني من بلاد التبت، التي يعيش فيها نحو 60 ألف حمار.
أخبرني: إذا جلبت معي تحفة صينية، فلسوف يسرقها جباة الضرائب على البضائع المستوردة في الموانئ. وإذا تأبطت كتاباً – والعياذ بالله – سأتهم بأنني أريد التعرف على أدب “المنافي” الإنسانية.
وهكذا قرر طارش ان يصطحب معه “حماراً” من ولاية “يورانغ” بمقاطعة “التبت” لأنه صغير الحجم، خفيف الوزن، صموت، بل وساكت أبداً، “فاتخذته صديقاً حميماً في أيام الشدة الدكتاتورية، فهو يسمع مني كل شيء، ولا يتكلم بأي شيء، وهو يعرف طريقه إلى منزلنا، ولا يخطئ عنوان مقهاي المفضل.”
ويوماً بعد يوم، وشهراً في أثر شهر، توطدت صداقة “طارش” بحماره “الصيني”، حتى أنه لم يُطق على فراقه ساعتين، فاصطحبه معه ذات يوم إلى “مقهى البرلمان” حيث يجلس بعض الأدباء المتقاعدين.
ضج المقهى بالضحك، إلا أن ابن عمي قال: لا تضحكوا، فلربما “جرح البعوض الفيلاً”، كما قال الشاعر العربي. ثم اعتاد رواد المقهى على رؤية “طارش” مع حماره بين يوم وآخر.
حتى حدث ما حدث ذات يوم صيفي يسلق البيضة، فلقد وصل طارش الى مقهاه مبكراً وترك حماره عند بوابته، وانضم الى طاولة يلعب أفرادها بأحجار الدومينو، وهم بين ضاحك وصامت، فالدنيا حر وإمدادات الكهرباء غير كافية، ولم يغير هذا الوضع سوى حمار طارش، الذي أطلق نهيقاً خفيفا واجتاز بوابة المقهى وتوقف عند طاولة صاحبه منتصب الأذنين، فساد الصمت فضاء المقهى، ولم يقطعه إلا صوت حمار طارش يهتف بصوت عال: آزنيــف!
وطغت حكاية نهيق الحمار الصموت على موضوعات عديدة في هذا الحر الذي يسلق البيض!!