أين إرث البريكان؟
سعد جاسم/
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عشر عاماً على واقعة الاغتيال المأساوي لشاعر الصمت والعزلة «الكبير محمود البريكان» ما زال نتاجه الإبداعي مغيّباً ومختفياً ولم يرَ النور الذي يليق به بوصفه منجزاً إبداعياً وإرثاً مهماً لشاعر رائد عاش حياته زاهداً وطاهر الروح وأَبيض القلب ونادر الوجود.
من اللافت للانتباه أن الآراء تعددت بشأن اختفاء إرث البريكان؛ حيث أن هناك من يقول أن نتاجه الشعري قد سُرق قبل رحيله بمدة قصيرة، ولم يعرفْ حتى هذه اللحظة مصير قصائده وكتاباته المسروقة؛ وهناك من يقول أن ذلك النتاج قد سُرقَ بطريقة غامضة ومتعمّدة وجرى إخفاؤه مباشرة بعد حادث اغتياله الفاجع.
صحيح أن البريكان كان يعيش عزلة اختيارية خاصة جداً، وكان بعيداً عن الأضواء ومُقلاً أو بالأحرى عازفاً عن النشر بمحض إرادته واختياره؛ إلا أنه لم يكن صامتاً أو متوقفاً عن كتابة الشعر والنثر والتأملات الفكرية، بل كان، وهذا ما يؤكده بعض أصدقائه المقربين والخُلّص، دائم الانهماك والانشغال والتواصل بكتابة قصائده؛ وكان خلال رحلته الإبداعية الهادئة من الخارج والصاخبة من الأعماق قد أنجز الكثير من القصائد التي لم تُنشر على الإطلاق، وذلك لأنه كان متريثاً في عملية نشر خزينه الشعري الكبير.
إن المؤسف في الأمر والذي يدعو للدهشة والحيرة والاستغراب أنه ومنذ رحيله لم تسع أية مؤسسة ثقافية إلى البحث والتحري عن إرث البريكان الذي نعتقد بأنه إرث مهم جداً؛ لا بل إنه إرث وأثر أدبيّ لا يقلّ أهمية عن أيّ أثر وطنيّ وإبداعي آخر.
ولذا فإننا ندعو جميع الجهات ذات العلاقة كوزارة الثقافة والآثار واتحاد الأدباء والكتاب العراقيين بمركزه الرئيس وفرعه في مدينة البصرة والمؤسسات الثقافية الأخرى إلى تفعيل عملية البحث والتحري عن إرث البريكان الإبداعي الذي إذا ما عثرنا عليه ونشرناه فإننا سننصف شاعراً لم يُنصفْ في حياته أَبداً؛ وكذلك فاننا سنرفد ونعيد للثقافة العراقية والشعرية العربية منجزاً إبداعياً لشاعر حقيقيّ له فرادته وريادته وشعلة خلوده الأبديّ.