2025 غزارة فــــي الإنتـــــــاج الدرامي حسابات تجارية تستبعد الخسارة

23

رضــا الـمـحـمــداوي
يفرض السقف الزمني للموسم الدرامي السنوي للدراما العراقية، المُحَدّد في شهر رمضان من كل عام، اشتراطاته وتوقيتات عروضه الخاصة، وما تفرزهُ من ظواهر فنية تحمل معها الكثافة الدرامية المندفعة على شكل جرعة فنية واحدة تصعب معها، أو تستحيل، مشاهدة ومتابعة جميع الأعمال الدرامية التي تعرضها القنوات الفضائية في أوقات متزامنة في وقت واحد، أو متقاربة إلى حد التداخل الزمني في مواعيد عروضها.

يبدو أن الحكم النقدي العام يمكن تشخيصه بثنائية حضور الكم العددي المتزايد وانحسار العمل الدرامي النوعي المتميز، حيث ظهرَ الفرق واضحًا في هذه الثنائية المتناقضة، أو غير المتناسبة، فقد وصل العدد الإجمالي للأعمال الدرامية إلى ما يقرب من 27 عملًا، يقابلها عدد محدود جدًا يتراوح بين عملين أو ثلاثة من النوع الفني المتميز الذي قدّم خطابه الدرامي على نحو ناضج.
ويمكن القول إن المعادلة غير المتوازنة بين طرفي هذه الظاهرة الفنية المتمثلة بـ (الكم) و (النوع) يصعب التحكم باتجاه البوصلة فيها، أو ضبط إيقاعها المضطرب، أو تنظيم العلاقة بينهما، ذلك أن المعادلة نفسها تتحكم فيها وتدخل في آليات عملها العديد من العوامل والجهات والمؤثرات.
هذه الخلاصة النقدية التي أشرتُ إليها تتحمل مسؤولياتها أطراف عدة تدخل في صناعة الدراما العراقية، أولها الجهة المموِّلة، أو القناة المنتِجة للعمل الدرامي، ومن ثم اختيار الشركة الفنية الخاصة المنفّذة للعمل بصيغة (المنتِج المنفّذ)، التي سبق أن وقع على عاتقها اختيار النص المطلوب إنتاجه، وهو ما يُحيلنا مباشرةً إلى(الموضوعة) الدرامية المطروحة في النص ومضمونها الفكري، فضلًا عن أهمية اسم المؤلف أو الكاتب الدرامي، ومدى ما يتمتع به من خبرة وتجربة، وما قدمه سابقًا من أعمال درامية تم إنجازها وعرضها على الشاشة، وتركت أثرها الفني الطيب في ذاكرة المتلقي أو الوسط الفني، ويحدث هذا كله قبل أن تتوجّه القناة المُنتِجة والجهة الممولة بخطابها الدرامي إلى الجمهور المُستهدف، الذي تريد إيصال رسالتها ومضمونها إليه بواسطة وجوه وأسماء الممثلين والفنانين.
معايير الجودة
في هذا الجانب من قضية الدراما العراقية، يمكن طرح أسئلة واستفهامات عدة عن طبيعة عمل الشركات الفنية الخاصة، التي تعمل بصيغة (المنتِج المنفّذ) لدى القنوات المنتجة للدراما لدينا.
– فهل تُقيّم الشركة الفنية عملها الفني بنفسها؟ أم أن القناة المنتجة تحتكم إلى مقاييس النجاح والفشل الفني أو معايير الجودة والرداءة، كما هو معمول به في معايير ومقاييس السيطرة النوعية المعتمدة في تقييم المنتجات الصناعية والمعاملات التجارية؟
إذن، من يُقيّم عمل كل من القناة الفضائية والشركات الفنية العاملة لديها معًا ضمن حسابات واعتبارات الوسط الدرامي العراقي؟
وهل توجد منافسة فنية بين تلك القنوات والشركات الفنية من أجل الحصول على شهادة الجودة الفنية، ومن ثم الفوز بجائزة الجمهور أو الإعجاب والتقدير النقدي؟
أم أن كل الأعمال الدرامية المنتَجة تأخذ طريقها إلى الشاشة بدون الخضوع لهذه الاعتبارات، أو أخذ هذه الأسئلة وأجوبتها المفترضة بالحسبان وبنظر الاعتبار من قبل المنتجين؟
وهنا، عند هذه النقطة بالذات، يجب التذكير بأن إنتاج هذه الأعمال الدرامية بات يتطلب ميزانيات إنتاجية كبيرة تصل إلى حدود المليار دينار للعمل الدرامي الواحد، وغالباً ما تكون هذه الميزانيات الكبيرة موضع طمع وجشع يسيل له لعاب تلك الشركات الخاصة وإدارات الإنتاج فيها بحلقاته ودوائره المتداخلة.
وفي هذه الجنبة المالية المغرية تنفتح شهية الإثراء والتكسّب المادي وتحقيق الإيرادات المالية والأرباح العالية، وذلك قبل تصفية الحسابات الختامية للميزانيات الإنتاجية!
مليارات… وأرباح !
وممّا يساعد، بل ويشجّع، على ارتفاع درجة حرارة هذه الحمى المالية – التجارية، أن موسم الإنتاج الدرامي ينحصر في شهر رمضان فقط، إذ يجري إغراق السوق الدرامي بالعديد من الأعمال الفنية، حين يسود قانون العرض والطلب، ويختلط فيه الغث بالسمين، لتأخذ الأعمال الفنية طريقها إلى شاشة التلفزيون والمواقع والمنصات الإلكترونية.
وهكذا تدور عجلة الإنتاج، إذ تصرف مليارات الدنانير وتتحقق الأرباح للشركات المنفِّذة، ضمن حسابات تجارية تستبعد الخسارة، وتفكر في الربح بوصفه حقًا مشروعًا مكتسبًا مقابل ما تقدّمه تلك الشركات من خدمات ودعم لوجستي فني لغرض إنتاج العمل الدرامي.
وبمثل هذا الوضع الإنتاجي، بطبيعته التجارية، أصبحت بعض الشركات وكأنَّها قد احتكرت الميدان الحيوي للإنتاج الفني، مع وجود المنافسة مع الشركات الأخرى من أجل الاستحواذ على سوق الأعمال الدرامية، والعمل على منع، أو إعاقة، وصول تلك الأعمال إلى الشركات الأخرى، وغالبًا ما تنجح الشركات التي رسّختْ أقدامها في الإنتاج الفني في إقامة الحواجز والمصدات الإنتاجية التي تحول دون وصول الشركات الأخرى إلى حلبة المنافسة.
فماذا كانت النتيجة؟
هذا ما سأتناوله في الحلقة الثانية من هذه الظاهرة الفنية.