الذكاء الاصطناعي يستكشف 320 مليون سنة من تطور الدماغ

27

إعداد وترجمة/ أحمد المولى

كشفت دراسة جديدة كيف تستطيع نماذج التعلم العميق، القائمة على الذكاء الاصطناعي، أن تفك شفرة المفاتيح التنظيمية الجينية التي تحدد أنواع خلايا الدماغ عبر أنواع الكائنات المختلفة.

في دراسة نُشرت في مجلة Science، كشف فريق بحث بلجيكي، عن طريق تحليل أدمغة الإنسان والفأر والدجاج، أن بعض أنواع خلايا الدماغ ظلت محفوظة بشكل كبير على مدى 320 مليون سنة، في حين تطورت أنواع أخرى تطورًا فريدًا. وسيسهم ذلك في دراسة بعض الأمراض مثل مرض باركنسون والسرطان واضطرابات الدماغ.
يكمن في صميم هذا البحث مفهوم التنظيم الجيني الذي يحكم التعبير عن الجينات داخل الخلايا. وعلى الرغم من أن جميع أنواع الخلايا تشترك في مخطط الحمض النووي نفسه، إلا أن تمايزها الوظيفي يعتمد على شفرة تنظيمية معقدة.
وتتألف هذه الشفرة من تسلسلات قصيرة للحمض النووي تعمل كمفاتيح تشغيل أو إيقاف تشغيل جينات محددة، وتوجّه الدور الفريد لكل خلية في الجهاز العصبي. وقد انخرط الفريق البحثي بقيادة البروفيسور شتاين آيرتس في معهد VIB.AI ومركز أبحاث الدماغ والأمراض في جامعة فيكتوريا الدولية – لوفان، في تحقيق شامل لهذه الشفرة التنظيمية كي نفهم فهماً أفضل الضغوط التطورية التي شكلت أنواع خلايا الدماغ عبر أنواع الكائنات المتباينة.
شفرات خلايا الدماغ
وقام الباحثون بتدريب نماذج التعلم العميق على بيانات دماغ الإنسان والفأر والدجاج، ووجدوا أنه في حين أن بعض أنواع الخلايا محفوظة بشكل كبير بين الطيور والثدييات بعد ملايين السنين من التطور، إلا أن بعضها الآخر تطور بطريقة مختلفة.
يتكون دماغنا، وجسمنا بأكمله، من أنواع مختلفة من الخلايا. وفي حين أنها تشترك في الحمض النووي نفسه، إلا أن جميع أنواع الخلايا هذه لها شكلها ووظيفتها الخاصة.
إن ما يجعل كل نوع من أنواع الخلايا مختلفًا هو لغز معقد يحاول الباحثون تجميعه منذ عقود من تسلسلات الحمض النووي القصيرة التي تعمل مثل المفاتيح التي تتحكم في الجينات التي يجري تشغيلها أو إيقافها.
ويضمن التنظيم الدقيق لهذه المفاتيح أن كل نوع من خلايا الدماغ يستخدم التعليمات الجينية الصحيحة من الجينوم لأداء دوره الفريد. ويشير العلماء إلى الأنماط الفريدة لهذه المفاتيح الجينية على أنها شفرة تنظيمية.
الذكاء الاصطناعي لفك الشفرة
وقام الفريق بتطوير وتطبيق نماذج التعلم الآلي لتوصيف ومقارنة أنواع مختلفة من الخلايا عبر أدمغة الإنسان والفأر والدجاج، التي تغطي ما يقرب من 320 مليون سنة من التطور.
إذ درّب الفريق البحثي نماذج متقدمة للتعلم العميق على بيانات دماغية واسعة النطاق، ما يسمح لها بتحديد الرموز التنظيمية المرتبطة بأنواع الخلايا المختلفة. ويستفيد هذا الأسلوب المنهجي من قدرات الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من المعلومات، ما يتيح للباحثين الكشف عن أنماط يستحيل تمييزها استنادًا الى الأساليب التحليلية التقليدية. ونتيجة لذلك، تمكّن الباحثون من إنشاء أطلس نسخي مفصل يضع الأسس اللازمة لمقارنة أنواع خلايا الدماغ عبر أنواع الكائنات.
ودرس فريق البحث المبادئ الأساسية لهذه الشفرة التنظيمية، وكيف يمكن أن تؤثر على أمراض مثل السرطان أو اضطرابات الدماغ. وطوّر الفريق أساليب التعلم العميق للمساعدة في فهم الكم الهائل من المعلومات عن تنظيم الجينات التي يجمعونها من ألوف وألوف الخلايا الفردية.
أداة لدراسة الأمراض
ويفتح البحث آفاقًا جديدة للتحقيق في الأمراض العصبية، مثل مرض باركنسون، إذ تسهم النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي في توضيح الأسس الوراثية التي قد تهيئ بعض الأفراد لمثل هذه الحالات. ومن خلال تحديد الاختلافات التنظيمية المرتبطة بهذه الأمراض، بات في وسع الباحثين الكشف عن المؤشرات الحيوية التي تساعد في التشخيص المبكر وستراتيجيات الوقاية والعلاجات المستهدفة.
وتمثل هذه الدراسة قفزة كبيرة إلى الأمام في علم الأعصاب وعلم الأحياء التطوري. وتؤكد أيضًا العلاقة المعقدة بين تنظيم الجينات ومظاهر الأمراض المعقدة.
تذكرنا هذه الاكتشافات بترابط الحياة والرحلة التطورية المشتركة بين جميع أنواع الكائنات. وكيف شكّلت فروع شجرة التطور ليس أدمغتنا فحسب، بل هوياتنا ذاتها.