شيء غريب كان يحدث في الصحراء

1٬025

زكريا محمد/

حدث أمر غريب في القرون الأربعة أو الخمسة قبل الميلاد في الصحراء السورية- العربية، وبشكل أشد تحديدا في المنطقة التي تقع الآن بين شمال الأردن وجنوب سوريا، ومنطقة صحراء الحماد في شمال العربية السعودية. ففي هذه المنطقة ازدهرت الكتابة بشكل لا يصدق بالنسبة لنا الآن. فقد عثر هناك على عشرات الآلاف من النقوش على الحجر. ولا بد أن هناك عشرات الألوف الأخرى التي لم يعثر عليها بعد. وهي نقوش موقعة بأسماء من كتبوها. وهذا يعني أن لدينا قوائم بأسماء آلاف الذين حفروا هذه النقوش بأيديهم. والغالبية الساحقة من هذه النقوش كتبت بأبجديتين ثمثلان لهجتين متقاربتين (الصفائية والحسمائية).

إذن، وعلى عكس ما يفترض، كانت الكتابة منتشرة، بل وعامة حتى، في الحرّات والصحارى حولها، حيث يجول البدو، لا في المناطق الحضرية المستقرة. فما عثر عليه في الحرّات والصحارى القريبة منها كان أكثر بمئات المرات مما عثر عليه في المناطق المستقرة، أي في القرى والمدن.

بناءً عليه، يمكن الوصول إلى الاستنتاج التالي: كانت لدينا في هذه المنطقة مجتمعات نخبوية الكتابة، ومجتمعات شاملة الكتابة. المناطق الحضرية كانت مجتمعات نخبوية الكتابة، تقوم فيها نخبة متخصصة بالكتابة للجميع. وهي تنوب عن الكل وتكتب لهم. بينما كانت مجتمعات البداة الجائلين في الحرّات هي مناطق الكتابة الشاملة. فكل واحد من أبناء هذه المجتمعات كان يعرف الكتابة، بل وكان عليه أن يعرف الكتابة، فالكتابة بالنسبة لهذه المجتمعات مسألة حياة أو موت.

وعليه فقد كانت هذه المجتمعات بلا أمية. لقد محيت أميتها قبل ما يقرب من 2500 سنة من شعار (محو الأمية).

نعم، كانت هناك أجزاء كبيرة جدا من الصحارى العربية بلا أمية ربما منذ القرن الخامس قبل الميلاد.

وهذا فقط لتذكير بعض الناس في هذا الزمان الذي تضيع فيها الحقائق.