الحسني و مروّة

605

عبد الحليم الرهيمي/

ارتبط كل من السيد هاشم معروف الحسني والدكتور حسين مروّة بعلاقة صداقة أخوية متينة لأكثر من ثلاثة عقود. كان السيد هاشم، الذي درس لنحو عقدين في الحوزة الدينية في النجف الأشرف، قد عاد في نهاية السبعينات من القرن الماضي الى مدينته (صور) التي تقع على الساحل اللبناني ليشغل منصب رئيس المحكمة الجعفرية فيها لأكثر من عقد. أما الدكتور مروّة الذي كتب عشرات المقالات في الصحف العراقية واللبنانية وألّف العديد من الكتب كان أهمها السِفر الكبير الموسوم (النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية) فقد التحق بالحوزة الدينية في النجف الأشرف قبل السيد هاشم بنحو عقد لكنه عاد الى لبنان وبلدته قضاء بنت جبيل وخلع العمامة التي كان قد اعتمرها لمدة عام وهو في الحوزة ليمارس نشاطه السياسي والفكري الذي اعتبره أكثر انسجاماً مع رغبته وقناعاته.

وخلال إعدادي لرسالة الماجستير عن تاريخ الحركة الإسلامية في العراق أشار علي الأستاذ المشرف وأستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور وجيه كوثراني التعرف على السيد هاشم في مدينة صور والاستفادة من ذكرياته ومعلوماته خلال دراسته وإقامته في النجف لعقدين من الزمن.

وقد توجهت من بيروت الى صور لزيارة السيد، فوجدته يجلس والى جانبه الدكتور مروّة في صالة الضيوف (البرّاني) بحضور نحو عشرين زائراً من مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية المتباينة: الإسلامية واليسارية (الشيوعية) والقومية بمختلف تلاوينها ومدارسها.

وعندما استمعت الى حوارات وجدالات الضيوف الحاضرين لبعض الوقت وجهت سؤالاً للسيد هاشم والدكتور مروّة: ما السر في الروح الودية والهادئة في الحوارات والسجالات بين المتحاورين المختلفين، بينما ممثلو هذه الاتجاهات يتصارعون ويتصادمون أحياناً في الشارع وفي الحياة العامة؟. هنا أعطى الدكتور مروّة بكل كياسة وأدب للسيد هاشم الجواب الذي قال: أستاذ نحن هنا وكل أهل صور أصبحوا يعرفون الآراء التي ندعو إليها وهي: إذا كانت كل هذه التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية وأحزابها تدعو الى الحرية والعدالة والمساواة للشعب اللبناني والى تقدم وازدهار لبنان فيجب والحالة هذه أن نتفق ونتوحد على الأرض ولنختلف بآرائنا وعقائدنا في السماء.. وهنا أشار السيد هاشم الى المثال الأقرب قائلاً : ها أنني رجل دين مسلم ومتديّن معمّم والدكتور حسين مروّة الذي يجلس الى جانبي رجل فكر يساري ويميل الى الشيوعية..

وصداقتنا منذ نحو ثلاثة عقود لم يعكرها أي خلاف فنحن متفقون على الأرض وربما نختلف، إن أراد الدكتور مروّة ذلك – قالها مازحاً – في السماء.. إنه رأي سليم ينطوي على حكمة سديدة، ليت أن يأخذ بها المختلفون!