فيل.. بعير.. يسقط الأعداء!
عامر بدر حسون/
أوصى الشيخ ابنه أن لا ينشغل بتوافه الكلام وأن لايتحدث في المضيف إلا في القضايا التي تليق بمركز الشيخ، قضايا كبيرة يعني!
وفي المضيف غمز الشيخ لابنه أن يتكلم فتنحنح الابن، وعندما ران الصمت قال:
– فيل!
وصمت! وأمام ذهول المستمعين غمزه الأب ثانية كي يكمل فقال:
– بعير! وبغمزة ثالثة قال:
– بعيرة!
لقد تصور أن الكلام الكبير هو عن الأشياء الكبيرة.. وذهبت قصة ابن الشيخ مثلاً!
وتكاد قصة ابن الشيخ تلخص، وبشكل مؤلم، قصة ثقافتنا وسياستنا مع الأشياء الكبيرة بالتمام والكمال!
فقد نشأت الأحزاب السياسية العربية وهي تتحدث عن الاستقلال والاستعمار وإقامة الدولة أو الإمبراطورية العربية على انقاض الإمبراطورية العثمانية.
لم يسجل في تاريخ العراق، منذ قيام الدولة عام 1921، وجود تظاهرة أو اعتصام أو توقيع عرائض من أجل أشياء تافهة جداً من نوع: تبليط شارع أو بناء مدرسة أو مستشفى أو تقديم خدمات محددة.. أو حتى من أجل إشاعة الحرية أو إطلاق سراح سجناء سياسيين.
كل الأحزاب التي تشكلت عندنا هي أحزاب عقائدية، هدفها النهائي هو الحكم الشمولي الذي يمكن تلخيصه بالنضال «نيابة» عن الجماهير والشعب وإرغام الناس على الخضوع له ولقيَمه وكلامه الكبير:
«نشر العقيدة والقضاء على أعدائها الكبار في الخارج والصغار في الداخل»!
وعلى مدى سنوات عمري شاهدت النضال ضد الاستعمار البريطاني ثم ضد فرنسا (أيام جميلة بوحيرد والنضال الجزائري من أجل الاستقلال).. ثم انتهينا الى النضال ضد أميركا!
لم نتطرق إلى قضايا أصغر وملموسة النتائج وأكثر واقعية.. لم يحصل هذا أبداً! وقد اشتركت الحكومات والمعارضة في الشعارات ذاتها.
وفي زمن البعث تم ترسيخ هذه الفكرة عن النضال والعمل السياسي أكثر فأكثر، فقد كانت المسيرات والتظاهرات تجوب شوارع بغداد والمدن العراقية وهي تهتف ضد الاستعمار والصهيونية وضد الأعداء عموماً.. وكان الجمهور المساق إلى تلك المسيرات يتصور أن هذا هو العمل السياسي ويعود إلى بيته وعمله وقد امتلأ بالإحساس أنه مشارك في النضال.. مثله مثل ابن الشيخ تماماً!
ولعل أبرز مشكلة يعاني منها العراق بعد داعش ومسلسل الإرهاب هي مشكلة الخدمات، وهي التي تستحق النضال والكفاح والجهاد والخ.. وفي ثنايا هذه القضية يكمن الفساد وسوء الإدارة.. لكن العراق لم يشهد تظاهرة من أجل هذه القضايا (التي اعتبرها تطرفاً أو بنظرة واقعية هي الأهم!) وقبل أن تتذكر تظاهرة ما ضد الكهرباء هنا أو تظاهرة ضد المحافظ هناك، عليّ أن أذكرك بأن الجانب السياسي والعشائري (اعتراض عشيرة على محافظ من عشيرة أخرى مثلاً) كان هو الذي يختبئ خلف بعض التظاهرات.
لقد فهمنا القضية خطأ لذلك فإن من يتحدث أو يعمل في السياسة يفعل دائماً مثلي ومثل ابن الشيخ ولا يقول في النهاية غير:
فيل! بعير! بعيرة! ويسقط الأعداء!