الربيع.. موسم الأعياد والمهرجانات في العالم
ترجمة: آلاء فائق/
تفتّح ورود الجوري وأزهار السوسن، تراقص الفراشات، زقزقة العصافير، تناغم الألوان، الإحساس بالحريّة واعتدال الطقس، جميعها مؤشرات لقدوم فصل الربيع تجعل منه عيداً حقيقيّاً في كل بقاع العالم. ودائماً ما يتزامن قدوم الربيع مع موسم الاحتفالات والمهرجانات والأعياد بجميع دول العالم. فالربيع وإن كنّا لا نحس به في مدننا المزدحمة الصاخبة فهو يظل من أفضل فصول السنة على الإطلاق. وقد اعتادت شعوب ودول العالم بمختلف دياناتها وثقافاتها منذ آلاف السنين على الاحتفال بقدومه كفترة انتقالية بين الشتاء القارس والصيف الحار، ولطالما ارتبطت احتفالاته ارتباطاً وثيقاً بتجدد الحياة ونكهتها الخاصة العابقة بروائح النعناع والقداح والياسمين.
مهرجان الألوان
“هولي” المعروف عالمياً بمهرجان الألوان، هو احتفال هندوسي تقليدي شعبي، يحتفل به سنوياً مع مطلع الربيع في الهند والنيبال، الدولتين اللتين تضمان أكبر عدد من السكان الهندوس، مجسداً انتصار الخير على الشر. الصفة المميزة له هي المساحيق الملونة التي يرميها المحتفلون على بعضهم الآخر، الأمر الذي يترك زوار المهرجان مغمورين بالكامل بمختلف أبهى الألوان في نهاية اليوم، كما توقد المشاعل في اليوم السابق، المعروف أيضاً باسم “هوليكا داهان” (موت هوليكا) أو تشوتي هولي (هولي الصغير).
وبرغم أن المهرجان ولد من رحم أرض الهند، حيث ما تزال المجتمعات الهندية تحتفل به على نطاق واسع كأحد أبرز الاحتفالات الدينية، غير أنه في الوقت عينه أُقر به في أماكن كثيرة حول العالم، فقد احتفل مؤشر البحث العملاق غوغل هذا العام بعيد هولي او عيد الألوان. ويعتبر حتّى أيّامنا هذه يوماً مقدّساً في بعض البلدان، كما يعتبر عطلة رسميّة في بلدان أخرى.
بلدان تحتفل
تحتفل العديد من الدول الآسيويّة بعيد الألوان، لكونها من البلدان التي تنتشر فيها الطائفة الهندوسيّة، وفي مقدّمتها الهند، وأيضاً بنغلادش، وسريلانكا، والباكستان، والنيبال، فضلا عن عدة دول في جميع أنحاء العالم، والتي تضم عدداً كبيراً من التابعين للطائفة الهندوسيّة، كدولة جنوب إفريقيا، ودولة قويانا، ودولة سورينام، وأيضاً المملكة المتّحدة البريطانية، إضافة إلى دولة فيجي.
احتفالات نيويورك
كعادة الأميركيين الذين يبحثون عن أية مناسبة للاحتفال بها حتى، ولو كانت غريبة، شهدت نيويورك والعديد من مدنها هذا العام احتفالات عديدة بهذا العيد الذي يعود لمعتقدات دينية قديمة، حيث يقوم المحتفلون من الجنسين ومن كل الأعمار، بالرقص في الشوارع والحدائق والمتنزهات العامة ويتبادلون خلاله التراشق بمساحيق الألوان والمياه الملونة. ويعود تاريخ العيد للقرن السابع الميلادي ويتزامن مع شهر “فالغن” حسب التقويم الهندي القمري الذي يصادف أواخر شهر شباط وأوائل شهر اذار، حيث يبدأ الاحتفال به في الليلة التي يتمّ فيها اكتمال القمر. ويستمر المهرجان لمدّة ستة عشر يوماً خلال فصل الربيع. وترمز فكرة التراشق بالألوان إلى الانتصار على الشر والتعبير عن هذا الانتصار بالفرح والرقص.
قصّة عيد الألوان
تعود قصّة عيد الألوان لعدة أساطير هندوسية إحداها تروي كيف أنقذ الإله فيشنو مرافقه براهلادا من المحرقة، في الوقت الذي تعرض فيه عم براهلاد الشرير “هولكا” للحرق، وأخرى تقول أن الضوء ينتشر عبر الإشعاعات المنتشرة بالوجود من خلال موجات لكافة بقاع الأرض لتكتمل العناصر الأربعة الموجودة بالطبيعة لدى الهندوسيين، وهي الماء، والرياح، والنار والتراب. وتضرم في الليلة التي تسبق مهرجان هولى نيران “هولكا” بالهواء الطلق لتكون رمزاً لانتصار الخير على الشر.
حكاية أسطورية
تعود فكرة إلقاء مسحوق gulal الملون أثناء المهرجان لأسطورة كريشنا، الذي كانت بشرته زرقاء داكنة وكان في قلق دائم من احتمال عدم تقبل محبوبته “رادها” للون بشرته فقام بخبث وعلى نحو عابث بتلوين وجه حبيبته لتبدو مثله.
المسحوق الملون
تاريخياً، جرت صناعة هذا المسحوق من الكركم او الزعفران الهندي، وهو معجون ومستخلص أزهار الربيع، أما اليوم فاستعيض عن الأزهار الطبيعية بالتركيبات الاصطناعية.
وتستخدم في هذا المسحوق أربعة ألوان رئيسة يرمز بها لعدة أشياء مختلفة وهي اللون الأحمر الذي يعكس الحب والخصوبة، والأزرق هو لون كريشنا، والأصفر لون الكركم والأخضر يرمز لبداية الربيع.
وبينما يعد مهرجان هولي من المهرجانات القديمة في كل من الهند والنيبال، غير أن له صدى واسعاً في العديد من أجزاء العالم اليوم. حيث تحتفل به كل من الجاليات الهندوسية في العديد من البلدان، ناهيك عن احتفال غير الهندوس به كذلك.
في لندن، يقام مهرجان موسيقي في يوم 29 تموز، اي بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على مهرجان هولى الفعلي.وانتقدت النسخ الغربية المختصة بمهرجان هولي الاستيلاء الثقافي لبعض بلدان العالم، بينما بين البعض مدافعاً عن هذا الاستيلاء بأنه أساساً افتنان حماسي لأخذ الإلهام من مهرجان هندوسي يستخدم المساحيق الملونة كرمز للفرح.
تقاليد
يمتاز مهرجان هولى بأهميته الثقافية التي تبرز بين مختلف التقاليد الهندوسية في شبه القارة الهندية، ففي هذا اليوم يخلّص المرء نفسه من أخطاء الماضي، وهو مناسبة جيدة لإنهاء الصراعات من خلال التصافح مع المتخاصمين وتلبية طلباتهم، ونسيان إساءاتهم ومسامحتهم وطلب الغفران لهم. يغتنمه البعض كفرصة لدفع ديونه وبعضهم الآخر ممن لا يستطيع الدفع قد يعفى. هولي يرمز أيضا لبداية الربيع، وبالنسبة للكثيرين هو بداية العام الجديد، وهو مناسبة ليستمتع الناس بتغير الفصول وينعموا بصداقات جديدة. هو عطلة وطنية في الهند، وعطلة محلية في النيبال وغيرها من البلدان.
بالنسبة للعديد من الهندوس والبعض من غير الهندوس، يعتبر مناسبة ثقافية للمرح الممازح وذريعة لرمي المياه الملونة على الأصدقاء أو الغرباء من باب الدعابة.
وللمهرجان العديد من الأهداف؛ أبرزها الاحتفال به كرمز لبداية الربيع. كما انه في القرن الـ17، تم تحديده كيوم للاحتفال بالزراعة، لا سيما محاصيل الربيع العالية الجودة والأراضي الخصبة. ويعتقد الهندوس أنه مناسبة جيدة للاحتفال بنضارة ألوان الربيع ولكي نقول وداعاً لفصل الشتاء. كما أنه مناسبة لرأب صدع العلاقات المتداعية، وإنهاء النزاعات والتخلص من الشوائب العاطفية المتراكمة على مر الزمن.
في يوم الاحتفال
اعتاد الهندوس في هذا اليوم على تنظيف منازلهم، وغسل ملابسهم والاستحمام، وعندما يحل المساء يتأنقون في لبسهم ويستعدون لاستقبال الأصدقاء والأقارب وتقديم الحلويات.
هولي أيضاً هو مهرجان المغفرة وفتح بدايات جديدة، ويهدف عقائدياً لخلق حالة من الانسجام والتناغم في المجتمع.
عن/صحيفة الديلي تلغراف