حيدر الشيباني: خطّ القرآن وحّد الحضارة العربية

1٬046

 هناء العبودي/

بضع كلمات، خطّها على كتاب القراءة في الابتدائية، كانت كفيلة بأن تثير انتباه وإعجاب معلّمه الذي أهداه قلم خطّ، ولم يعلم بأن تلك الحروف وذلك القلم الهدية سيكونان عتبته لدخول هذا العالم الجميل الرحب، عالم الخط العربي والحروفية.

الفنان حيدر الشيباني بدأ رحلته في الفنّ من مدينته النجف لتصبح أعمالة مقتنيات في بلدان عربية كثيرة.

في هذا الحوار مع “الشبكة العراقية” يكشف عن بداياته وعن أصول فن الخطّ وعن تأثيرات الحداثة على هذا الفن.
بدايات

يتحدث الفنان الشيباني عن بداياته بالقول:

منذ الصغر كنت مولعاً بالخط والرسم لكني لم ألقَ تشجيعاً من مجتمعي، كان همّ الجميع أن أتفوق في الدراسة، أما الفن فلا يعتبرونه شيئاً مهماً، وأذكر أني حين كنت في الصف الرابع الابتدائي كانت هناك في كتاب القراءة بعض الأوراق البيضاء، فكنت أستعير كتاباً آخر من زميل لي وأعيد كتابة حروفه رسماً لكي تصبح كالمطبوعة تماماً برسمها وخطّها، مرة رآها أستاذي الفاضل، رحمه الله، وكان خطاطاً بارعاً، ففرح بي وأهداني قلماً إنكليزياً للخط العربي، وأنا أحتفظ بالقلم لحدّ الآن، من يومها بدأ شوقي للتمرّن على الخط في كراسة الخط العربي التي كانت توزع على طلبة المدارس آنذاك.

تخرجت في الابتدائية، وكانت الظروف قاسية للغاية فاشتغلت عامل بناء مع جدّي في العتبة العلويّة سنة 1979 وكانت مهمتي تتمثل بقصّ الطابوق الأصفر وترتيبه على شكل كتابات كوفية: “الله، محمد، علي”، لتزيين جدار العتبة العلوية باتجاه السوق الصغير (باب العمارة آنذاك) فكنت ألاحظ الخط والزخارف على الكاشي وكانت متعة للناظرين، فكنت أنقله وأرسمه.

طالب علم

تعرفت بعدها على أستاذي جاسم النجفي الخطاط المعروف وكانت لي صلة قرابة معه، وكنت ألازمه وتتلمذت عنده وتعرفت من خلاله على أساتذة أجلاء أمثال حيدر ربيع، عباس البغدادي، نبيل الشريفي، وعوني النقاش. وشيئاً فشيئاً كبرت في داخلي أفكار لإقامة معارض جمعية، وفعلاً شاركت في مسابقات دولية ومحلية وفزت بعدّة جوائز. وها أنا اليوم طالب علم أحاول من خلال تخصصي أن أكون مقبولاً بين أقراني الفنانين.

من الخطّ إلى الحروفية

أول مشاركة للفنان حيدر الشيباني كانت سنة 1994 في مركز الفنون ببغداد في مهرجان الخط العربي العالمي الذي أقامته وزارة الثقافة، و”من خلاله شاهدت خطاطين من العالم وتعلمت الكثير من خبرات الأساتذة أمثال عباس البغدادي، وتأثرت جداً بأعمال الخطاط وسام شوكت متّي الذي كان قد عمل الحروف بـ”الآيربرش”، وقلت في نفسي أني يمكن أن أحول الحرف العربي إلى لوحة فنية بالألوان بعد تعلّم القاعدة التي لا بدّ من كسرها، لكن مع المحافظة على جمالية الحرف. ومنذ تلك اللحظة تحولت من خطاط كلاسيكي إلى حروفي، فبعد أن كتبت وزخرفت عدة لوحات في المساجد والأماكن الخاصة وضبطتُ حروفي وأتقنتها كلاسيكياً بدأت أتجه للحروفية”.

الأقلام الستّة

سألناه عن أنواع الخطوط وطرق خطّها، وما المهارات التي يجب أن يتقنها الخطاط؟ فأجاب: يجب أن يعرف الخطاط الأقلام الستة ويتقن قواعدها، والأقلام الستة هي ستة خطوط عربية تعرف بأنها أصول بقية الخطوط، وهي الكوفي والثلث والنسخ والفارسي والديواني والرقعة، وسميت في التراث بالمحقق والريحان والثلث والنسخ والرقاع والتوقيع.

تأريخ الخط

سألته: هل يمكن أن توجز تأريخ الخط العربيّ لأشخاص مثلنا لا خبرة لهم في هذا الفنّ؟ فقال:

نعم بدأ الخطّ بالظهور منذ ابن البواب وابن مقلة وتطور أكثر على يد السلاطين العثمانيين لأنهم كانوا يرعون مهارات كهذه لكي يستفيدوا في تدوين كتبهم الرسمية وزخرفة مساجدهم وقصورهم آنذاك، وظهر خطاطون مشهورون أمثال سامي بك وحلمي وعزيز الرفاعي وحقي وحامد الآمدي في عهد الدولة العثمانية.

خط المصحف

ـ هل استعمل الخط العربي بأنواعه كافة خصيصاً لأجل رسم القرآن الكريم وكتابته، وما أنسب الخطوط وأكثرها ملاءمة لكتابة المصحف الشريف؟

ـ الخط العربي بدأ منذ بدايات تدوين القرآن وكان السائد هو الخط الكوفي لأنه ظهر بالكوفة وسمي باسم المدينة التي نشأ فيها، فمنذ بدء خط القرآن ظهرت أسماء الخطوط التي وضعت لخدمة حرف القرآن. لكن أجمل خطوط القرآن هو خط النسخ لأن كلام الله يجب أن يكون مقروءاً واضحاً خالياً من اللبس. وخط النسخ يحمل هذه الميزات بحيث يمكن القول أن هذا الخط وحّد الحضارة الإسلامية باستخدامه أسلوباً مشتركاً لكتابة المصحف في جميع البلدان العربية.

يضيف: لكن الخطوط تتطور، وكلما مر الزمن تظهر مصاحف في منتهى الجمال والدقّة من حيث تطور دراسة خط المصاحف من قبل مريديها وناسخيها.

حداثة

ـ وهل للحداثة تأثير على الخط؟

ـ الحداثة أثّرت نسبياً على قواعد الخط، لكن المتمسكين بقواعد الخط العربي، وخصوصاً الجرافيكيين، أمثال المرحوم رافع الناصري كانوا مهتمين بقاعدة الحرف العربي، كالأستاذ حمد الشاوي والأستاذ شاكر خالد وفنانين عرب أمثال الفنان السوري خالد الساعي حافظوا على جمال الحرف وروحيته وإظهاره بأبهى منظر.

كرافيك

أنت خطاط وتشكيلي حروفي وكرافيك، كيف تؤطر هذه اللوحة؟ حدثني عن الكرافيك

ـ الكرافيك عالم خاص أحببت أن أدخل الحرف العربي عليه كما فعل الأستاذ المرحوم رافع الناصري فمزجت الحرف العربي لشغفي به وأدخلته في كل أنواع الفنون.

في البحرين

حدثنا الشيباني أخيراً عن إقامته في البحرين وعما أفاده من هذه الإقامة فقال: “أنا أقيم في البحرين وعملت فيها عدة ورش للحرف العربي وطريقة تكنيكه فكانت ورشة “ستي سنتر” البحرين ورشة عمل مع كبار الفنانين العرب والأجانب وكانت مميزة لأني دخلت على الحرف باحترافية ووضعت نتاج عملي في وسط المجمع القائم لحد الآن”.