مت… كي نحتفي بك

608

محسن إبراهيم/

قبل وفاته بأشهر قليلة، كرم الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش باطلاق اسمه على أهم ميادين مدينة (رام الله)، فقال حينها (ليس من المألوف أن يكرم الأحياء، فالموتى لا يحضرون حفل تأبينهم، وما استمعت إليه اليوم هو أفضل تأبين أود أن أسمعه فيما بعد) ظاهرة باتت تمثل منهجاً في الأوساط الثقافية والفنية, وهي تكريم المبدعين والاحتفاء بهم بعد أن يفارقوا الحياة, فيما كان الظل مستقرهم مجبرين غير مخيرين بعيدين عن الذاكرة والأضواء، يفتك بهم المرض والعوز في بعض الأحيان, فنان الشعب, ايقونة المسرح, باشا الدراما. ألقاب تطلق على من رحل, تتفاجأ بمقدار الحزن الذي يسود، والمحزن أكثر عندما يتم تتويج هذا الحزن بلافتات النعي ونشر الصور واعداد البرامج، وكل يدعي الوصل بليلى, ربما لأننا نعشق الماضي ومن ثم البكاء على أطلاله، ولهذا التعاطي العجيب مع الأحداث والأشخاص بات ظاهرة تشمل جميع مفاصل الإبداع، هل على المبدع أن يموت حتى يكون اسماً على خارطة الاعتراف والاحتفاء رسمياً؟ لم نتجاهلهم في حياتهم؟ ولم نستيقظ فجأة بعد سبات طويل لنتسابق إلى تكريمهم؟ لم لا نتذكر إنجازاتهم إلا حين يغادرون؟ لم لا يكرم صاحب الإبداع أثناء حياته؟ ربما أن هذا التقصير والاحتفاء الصوري لا يعطي الوصف المناسب لما يمر به المبدعون من تهميش وتجاهل متعمد، وربما يتعدى الأمر إلى الاقصاء من ذات المؤسسات التي كانت مسرحاً لنشاط المبدع, لتنتهي ظاهرة الحزن المصطنع بعد يوم أو يومين لننصرف بمتابعة أخبار ملكات جمال العراق وحربهن الضروس على مواقع التواصل الاجتماعي, أما من يبتسم له الحظ من المبدعين الراحلين، فهو من تخصص له المؤسسات الرسمية بالتفاتة كريمة راتباً شهرياً لايكفي لاقامة أمسية للاحتفاء به. وكأننا نوصل رسالة لكل مبدع مفادها مت كي نحتفي بك!!