كركوك نافورة احتفال

608

نرمين المفتي/

مهما كثرت النافورات في كركوك، تبقى الأثيرة لدى الجميع تلك التي تتوسط حديقة دائرية قرب مبنى المحافظة. والطفلة التي كنتها أدهشتها المياه الملونة التي كانت تندفع وكأنها ألعاب نارية. يوما، طالبت والدي, رحمه الله، أن نأخذ ماء أزرقَ الى البيت. لم اقتنع بشرحه بأن لون الماء إنما من الأضوية الملونة المثبتة في قعر حوض النافورة.

وتوالت طلباتي اليومية بالمياه الملونة من دون ملل اوغضب، دأب والدي أن يجاريني ويجلب المياه الملونة التي تفقد في البيت لونها. وحين اكتشفت بأنه كان على حق وأن الأضوية تمنح لونها للماء المندفع الى الأعلى، اختبأت خلف شجرة سرو، كانت من ضمن ست شجرات كبيرة في حديقة النافورة.

تعرفت الى حدائق ومتنزهات أخرى في كركوك وبقيت حديقة النافورة بشجرتها التي استوعبت خجلي هي الأثيرة لدي، خاصة وأنها كانت قريبة من بيتنا. وفي طريقي فيما بعد ذاهبة الى بغداد حيث جامعتي وراجعة منها، كبرت، تغيرت كركوك، توسعت وتعرضت الى حملة تعريب شرسة قبل نيسان 2003، تبعتها حملة تكريد أكثر شراسة بعد الاحتلال الأميركي.

وبين الحملتين، تعرضت حديقة النافورة الى حملات أيضا. لقربها من مبنى المحافظة التي شهدت جوانبها الأربعة جداريات مختلفة الأحجام لصدام حسين. أغلقت أبوابها أمام الزوار، وقطع عدد من أشجارها الطويلة، من بينها كانت شجرتي. وتم تشييد نصب للرئيس الأسبق وهو بزي عربي يمتطى صهوة فرس، قرب سياجها وبابها، خصصت له عناصر حماية تركوه يوم العاشر من نيسان 2003 ونقلت الفضائيات على الهواء (عملية) إسقاط النصب وسحله كما حدث مع نصب ساحة الفردوس في اليوم السابق. وبعد الانتهاء من النصب، كانت الفضائيات نفسها تبث على الهواء العمليات المنظمة غالبا لنهب الدوائر الرسمية وحرق ما تبقى بها من أثاث وملفات.

يوم 16 تشرين الاول 2017 سيبقى تاريخاً عراقياً وكركوكياً مميزا، اذ عادت كركوك الى حضن العراق وكانت قبل هذا اليوم قد وحدت العراقيين في الدفاع عنها. مع رفع العلم العراقي فوق مبنى المحافظة، اندفع الكركوكليون الى الشوارع واختلطوا مع أبناء القوات المسلحة بمختلف مسمياتها، ألوان ملابس مختلفة، تماماً مثل ألوان النافورة حين رأيتها لأول مرة، ولا أدري من الذي فكر بتشغيل نافورتي التي فقدت قسماً من حديقتها ليضاف الى الشارع وفقدت بعض أشجارها وأزهارها، لكن مياهها، البلا لون، بدت فرحة ومع احتفالات الناس في الشوارع، أغمضت عيني لأرى كركوك كلها نافورة احتفال.