الأميركيون الغاضبون
جمعة اللامي /
«ما أريده، هو عفويّة اللغة، ولا شيء آخر» «ما أريده، هو عفويّة اللغة، ولا شيء آخر»
(جاك كيرواك)
قامت مكتبة نيويورك العامة بشراء «الآرشيف الأدبي والشخصي» للكاتب الأميركي الراحل جاك كيرواك، بنحو مليون ونصف مليون من الدولارات. وهو يتضمن عدداً من النفائس، منها مخطوطة روايته الشهيرة: «على الطريق»، التي ترمز إلى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. كان جاك كيرواك أحد أبرز مفكري جيل الغضب والهزيمة والتمرد والسلبية، الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة وأوروبا. وهو يشكل، إلى جانب ألن غنسبورج، وليام يوروز، نيل كاسيدي، وغريغوري كورسو، تاجاً شوكياً على رؤوس أُولئك الناس الذين قذفت بهم الحرب إلى الشوارع الخلفية: الاشمئزاز من ثقافة الاستهلاك، والبحث عن دين، بينما قدمت تلك الحرب: المال، الجاه، السلطة، الرفاهية الزائدة، وبدايات صناعة عالم جديد على النموذج الكولونيالي، إلى أقطاب المال، وشركات الإعلام الكبرى، وتجار الأسلحة.عاش كيرواك حياة معذبة في طفولته. وفي شبابه لم يجد الخلاص في التشرد والتصعلك، ولا في الحياة الروحية السائدة في القرن العشرين. فكان أن التجأ إلى الكتابة، التي قدمت له بعـــض تريــــاق. يقول في حوار مع صديقه كورسو: «الصراعات السياسية مظهر خارجي. فما أن ينشب صراع حتى تحرص قوى معينة على الحفاظ عليه، ما دامت تجني الأرباح من الأوضاع المترتبـــة عليـــه.»بل أن هذا الوعي، سرعان ما اتخذ طابعاً أخلاقياً ــ دينياً، عندما نتابع بعض حواره مع صديقه: «اهتمامك بما تبدو عليه الصراعات السياسية، يُشبه خطأ الثور في الحلبة، وأنت من يهزّ له القماشة الحمراء. لهذا الغرض وجد السياسيون أنهم هنا ليُعلّموك استعمال القماشة، تماماً مثلما يُعلّم مصارع الثيران الثور، متابعة القماشة الحمراء.»هذا الوعي الحاد، هو الذي كان يدفع بكيرواك وجيله، إلى السخط واحتقار الحرب، والنظر إلى العالم الأرضي من كواكب ثائرة، ومتابعة حياة المجتمعات الغربية، باحتقارها والبحث عن وسائل لتدميرها من الداخل. كان الأميركيون الغاضبون، أنموذج الطفولة البشرية في عصر افتضاض بكارة هذه البشرية، بقرار من قادة البشرية أنفسهم. وكانت كتاباتهم هي ألعابهم الطفولية، لذلك كانت صادقة وعفوية.