حلم رئاسي!!

987

حسن العاني/

في كانون الأول من العام الماضي، نقل لي بعض زملائي الصحفيين (كوني لا أتعامل مع الانترنت) مقالة نشرها أستاذي وصديقي عبد الزهرة زكي على صفحته في الفيسبوك، جاءت تحت عنوان (أرجو الغاء ترشيحي.. كيف أنافس أستاذاً هو الأكفأ)، ومناسبتها أن شبكة الإعلام رشحت مجموعة أسماء من كتاب العمود الصحفي، تاركة للمتابعين اختيار المتميز من بينهم، وقال الرجل فيما قاله عبر كلمته الطويلة نسبياً “من وجهة نظري لا يجوز التنافس مع حسن العاني.. يستحق كاتب مثله أن يكرم من دون حاجة لأن يوضع في دائرة تنافس تعتمد ميديا التنافس، وهي وسائل لم ينشط فيها ولا صلة له بها” ثم طلب برجاء رقيق رفع اسمه من قائمة المرشحين!!

وأنا أقرأ رأيت العراق في عبد الزهرة يستعيد عافيته الأخلاقية التي تعرضت للنهب من الداخل والخارج، ولهذا نشرت مقالة في جريدة الصباح الغراء بتاريخ 19/12/2017 تحت عنوان (عبد الزهرة زكي)، أنفي فيها عن نفسي صفة الأفضلية، وأتحدث عن سمات الرجل، نبلاً وإبداعاً وتواضعاً، ولم تنتهِ الحكاية، فبعد يومين فوجئت بجريدة الصباح تنشر مقالة للسيد خضير الخزاعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، تحت عنوان (تحية لأعمدة الضوء ولفرسانها) يثني فيها عظيم الثناء على الموقف الأخلاقي المتبادل بين (زكي والعاني) متمنياً لهما أن يكونا (قدوة، ولكتاب الأعمدة أسوة)، ولابد أنني تحسست بوادر هزة نرجسية خفيفة في أعماقي، بعد الذي لمسته من (عبد الزهرة والخزاعي)، غير أن مشاغل الحياة ومتاعب العمر، أنستني تلك النزوة العابرة، حيث لم يبقَ للنرجسية موطئ قدم، بعد أن انطفأ الشباب واشتعل الروح شيباً!

وهكذا عادت المناسيب إلى مستوياتها الطبيعية، لولا ظهور الصديق المبدع جمعة الحلفي على صفحته الفيسبوكية بتاريخ 28/12/2017، وهو يشكر الشبكة العراقية بلغته الشفافة على ترشيحه مع زملاء آخرين على مركز (أفضل كاتب عمود صحفي)، ثم يرجو أن يسمحوا له “بتحويل جميع الأصوات التي في صالحي إلى أستاذ كبير أعدّه أفضل كاتب عمود”، ويفصح أخيراً عن الاسم، فاذا به.. حسن العاني!!

أعترف من دون حياء أن نرجسيتي من ربطة الحذاء إلى ربطة العنق تفجرت بعنف، وامتلأت غروراً، ويظهر أن هذه الحالة رافقتني حتى إلى سرير النوم، فقد رأيت فيما يرى النائم أنني فزت في الانتخابات البرلمانية وأصبحت رئيساً للبلاد، كوني أمتلك أصوات «زكي والحلفي»، زيادة على أصوات زملائي الأدباء والصحفيين وأصحاب بسطات الرصيف الذين عملت معهم قرابة خمس سنوات، وقادتني أحداث الحلم إلى قاعة إمبريالية فخمة، توزع عليها الآلاف ممن حضروا للمشاركة الوجدانية، والتعبير عن فرحهم بمناسبة منصبي الرئاسي الجديد، وكان في مقدمتهم فيصل الثاني وعبد الكريم قاسم، وكذلك صدام حسين ونوري المالكي.. الخ، ومن فنطازيات هذا الحلم السريالي، أن صديقتي الرائعة نرمين المفتي هي التي تولت تقديمي إلى الحضور، وقدمت نبذة مختصرة عن سيرتي الذاتية، قالت فيها أن الرئيس الجديد يحمل شهادتي دكتوراه في السياسة والقانون، وماجستير في الاقتصاد، ويجيد أربع لغات عالمية غير العربية، وأنه مناضل أممي ترك بصمته في الجزائر وأميركا اللاتينية والمعارضة، وتصدى لنظام البعث في العراق وسوريا، وتعرض للاعتقال 3 مرات وتخلص من عقوبة الاعدام باعجوبة، وبغض النظر عن كون كلامها أرضى نرجسيتي، ولكنه لم يتوفر على معلومة صحيحة واحدة، مع أنني صدقته واقتنعت به!!

قبل أن يرتقي أمين عام الأمم المتحدة المنصة لاعلاني رئيساً، سألتني المفتي (فخامة الرئيس… الشعب العراقي كله مستبشر خيراً بتوليك هذا المنصب، ويود أن يعرف: ماهو أول قرار تتخذه بعد دخولك القصر الجمهوري) فقلت لها (كيف يخفى الجواب على صحفية حلوة وذكية مثلك، بالطبع ياسيدتي – في اليقظة أخاطبها بمفردة حبيبتي – سأقوم بتعديل الدستور وأجعل من نفسي رئيساً مدى العمر، وهذا أمر معروف لدى جميع الرؤساء) ولا أدري ما الذي تغير فجأة في القاعة، فقد انزعج الجميع وغادروا أماكنهم قبل تنصيبي، فيما قام الزميلان الحلفي وعبد الزهرة باسترجاع أصواتهما، حتى المفتي غادرت القاعة وهي تشتم (ربما كانت تقصدني)، ولم يبق معي سوى زوجتي.. يا إلهي كم هي وفية ومخلصة، ولا تتخلى عني في أعظم الشدائد، وقد شكرتها وقلت لها متسائلاً وأنا في قيمة خيبتي: كان عليكِ المغادرة كما فعل الآخرون.. فلماذا بقيت؟ أجابتني: المفروض أن أفعل ذلك لولا خوفي من ورقة الطلاق..