رسالة الى شاب عراقي..!

1٬236

جمعة اللامي/

كلما زاد عدد الكلمات التي يخجل منها الإنسان، كان أقرب الى الكمال

(برنارد شو)

دعني أضع بين يديك –يا ولدي العزيز- ما كتبه الروائي الأميركي سكوت فيتزجيرالد، حين تحدّث في شأن الشجاعة، قال كاتب رواية (غائسبي العظيم): “أبرز لي رجلاً شجاعاً، وأنا أكتب التراجيديا.”

والشجاع من ملك نفسه، وامتلك هواه حتى المحو، وهو ما أقدم عليه صاحبي ذلك الذي من “حي الفضل” البغدادي وقد صاحبته دون أن أراه، ورافقته ولم ألتق به. لكن ذكراه كتاب الشجاعة.

إنه خضر الفضلي، وكل من عاش ببغداد، في خمسينات القرن الماضي، من نوري السعيد الى أصغر شرطي في حماية الوزير الكردي الصلب سعيد قزاز، يعرف حكاية خضر ليلة تمّ بحقه تنفيذ حكم الاعدام شنقاً.

وخضر الفضلي –يا ولدي-شجاع. والشجاعة في الثقافة العراقية تعني العقل والجسارة. فأين أنت من أولئك العراقيين الشجعان؟ والشجاعة –يا ولدي- أن تنظر الى وجهك في المرآة، صباح كل يوم، وتقول مع شكسبير: “ليس من الشجاعة أن تنتقم، بل أن تتحمل وتصبر، والشجاعة أن تقول بصوت عال”، كما كان أرسطو يعلن: “ليست الشجاعة ان تقول كلما تعتقده، بل ان تعتقد بكل ما تقوله.”

وكان صاحبي خضر، لا يجيد القراءة والكتابة، لكنه عرف معنى الرجولة وهو في الثانية عشرة من عمره، ولما بلغ الخامسة عشرة، كان في مصاف الرجال حقاً. وفي تلك الأيام كان الرجل هو كلمته، وكان خضر صديقاً لنجل رئيس الوزراء نوري السعيد، وحدث أنه قتل شخصاً آخر يناوئ ابن رئيس الوزراء، وحكم عليه بالإعدام شنقاً.

لم تفد المناشدات بتخفيف حكم الإعدام الى الحكم بالسجن المؤبد، حتى كان يوم عرف فيه خضر أنه سوف يعدم بعد ثلاثة أيام، فطلب من الشرطي الجلاد أن يجلب اليه “شراباً مليّناً”، أخذ يتجرعه مع انتصاف كل ليلة، بعد ان امتنع عن تناول أي طعام، واكتفى بالماء الزلال.

وفي ليلة شنقه، طلب من الجلاد أن يأتي اليه بدشداشته البيضاء المفضلة.

“لم الدشداشة البيضاء يا خضر؟” سأله الجلاد.

“حتى تعرف بغداد نظافتي” قال خضر الفضلي.

ثم ارتقى درجات خشبة الشنق، درجة بعد أخرى.