كلمة أولى
رئيس التحرير/
السياسي تاجراً
بين السياسة والتجارة وشائج كثيرة لكن الأسوأ عندما يجمع السياسي بين المهنتين. فالتاجر يغش الناس بالبضاعة والسعر والكلام المعسول، والسياسي يغش الناس بالشعارات والخطب والوعود الكاذبة. لكن عندما يكون السياسي تاجرا، في الوقت نفسه، تكون مساحة الغش لديه أوسع وأخطر، فالتاجر يكذب على بعض الناس في حين يكذب السياسي على الناس جميعا.
وهناك ميزة يتفوق فيها السياسي على التاجر، فالأخير يشتري البضاعة ويعرضها في السوق مع زيادة في السعر هي مصدر ربحه، فيما يربح السياسي أموالا طائلة من دون أن يشتري شيئا لكي يبيعه. والتاجر يقسم بأغلظ الايمان لكي يقنع الناس بشراء بضاعته، في حين يكتفي السياسي بالتصريحات التلفزيونية لكي يربح أصوات الناس في الانتخابات.
ولا يختلف التجار في أهدافهم فهي تتلخص في تقديم الخدمة للمجتمع والربح من وراء ذلك، كما لا يتناحرون في علاقاتهم، إنما يتنافسون في نوع البضاعة وطريقة عرضها وكيفية كسب الزبائن، في حين يتصارع السياسيون بكل أنواع الأسلحة القاتلة بعد استنفاد الأسلحة اللاأخلاقية مثل المكيدة والدسيسة وتشويه السمعة والتسقيط السياسي. ويتصارع هؤلاء على أتفه الأشياء التي يأنف التجار عن التصارع عليها لكنهم يظهرون على الجمهور وكأنهم يتصارعون على كيفية تغيير التأريخ والجغرافيا.
وأعرف سياسيين لا يتورعون عن ايقاع الأذى بأشرف الناس إذا ما وجدوا في ذلك مصلحة أو منفعة شخصية. وهؤلاء موجودون في كل ركن وزاوية ويمكن أن نراهم يملأون الشاشات صراخا وضجيجا عن الديمقراطية والعدالة والمساواة وحرية الرأي والشفافية ومحاربة الفساد. ولو عدت الى خزائنهم لوجدتها مليئة بالسحت الحرام. لكنني في مقابل هؤلاء أعرف أيضا سياسيين شرفاء ضحوا بأنفسهم وأموالهم وعوائلهم ومستقبلهم من أجل الناس والوطن. وهم يستحقون مراكزهم ومواقعهم ومناصبهم، لكنهم للأسف يذكروننا دائما بالمثل الشائع: ضاع أبتر بين البتران!