كلنا في الأحلام سعاد
نرمين المفتي/
بعد رحيلها المفاجئ والمفجع عام 1996، نشر احد محرري مجلة (صباح الخير) القاهرية حواراً كان قد أجراه مع سعاد حسني، اشار فيه الى ممثلة ناشئة حينها اشترت شقة بثلاثة ملايين جنيه، وكلّفتها اعمال الديكور والأثاث ثلاثة ملايين جنيه اضافية، وقال لسعاد أنها بعد عقود من التمثيل والشهرة والجوائز، ما تزال تسكن بالإيجار في الشقة نفسها التي أجّرتها منذ أن أصبحت نجمة. كان جوابها بأنها بدأت التمثيل في الوقت نفسه الذي بدأ فيه عبد الحليم يمثّل، وكمال الطويل ومحمد الموجي يلحنان، ويوسف شاهين يخرج، وآخرون من الشباب مع ثورة يوليو التي اعتبروها حلماً بدأوا يعملون مجاناً واحياناً بأجور قليلة زارعين الأحلام.
اضافت سعاد ان تلك الممثلة الناشئة وغيرها يحصدون ثمار الأحلام التي زرعها الأوائل والتي لم يتمكنوا (هم الزارعون) من حصادها.
ومضت سعاد حسني مع أحلام زرعتها وبقيت جملتها في بالي وأصبحت أردد مع نفسي ومع المقربين مني “كلنا في الاحلام سعاد”، رغم قسوة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحرب الثماني سنوات التي اندلعت مع تخرجي في الجامعة والآلاف معي.
ورغم ان الحروب لا تترك أحلاماً، إلا أننا قررنا ان نزرع احلامنا، وادعي اننا نجحنا، ومن بينها احلام شهداء شباب يمضون منذ عقود ويصبحون ابطال موت رغماً عنهم بدل ان يكونوا ابطال حياة. وجاءت اجيال لاحقة تحصد ثمار تلك الأحلام في مجالات مختلفة.
شخصياً أشير الى الصحافة.. فقد أثمرت الأحلام التي زرعناها حرية تعبير وافتتاح مؤسسات إعلامية خاصة وأصبح هناك نجوم من الإعلاميين الشباب بأجور خيالية، بينهم من يستحقها بجدارة، و آخرون قطعا لا يستحقونها يشبهون تلك الممثلة الناشئة التي اصبحت من اصحاب الملايين بينما استمرت سعاد حسني تسكن شقة بالايجار.
لا توجد مهمة حلوة مثل زرع الأحلام، لكن الأحلى التمتع بثمارها، أن يتمتع الذي زرعها، ومن يأتي بعده.
وإن لم يتمكن، فلابد من الإشارة الى تضحياته وهو يزرع الأحلام للأجيال من بعده. في الحرب ضد الإرهاب، اثناء تحرير المدن، استشهد شباب بعمر الورود زارعين حلم الأمان، وجرح آخرون ، تمنيت ان يحصدوا ثمار الأمان، لكنهم شاركوا في التظاهرات الأخيرة باحثين عن حقوقهم في الحياة..