دستور كالجلمود !

881

عامر بدر حسون/

عاش العراق دون دستور منذ العام 1958 وحتى العام 2005.

كان لدينا شيء اسمه “الدستور المؤقت” يصدره الضابط الذي يصل للإذاعة اولا ليعلن نجاح انقلابه العسكري ويضع فيه حيزاً كبيراً لصلاحياته.
وقد بلغنا ذروة الاستهانة بالدستور مع صدام حسين، وتحديدا مع المادة 42 منه والتي تتيح له اصدار القوانين والقرارات خلافاً لأحكام الدستور بل أنها تصبح جزءاً من الدستور!

وبموجب هذه المادة يا ما أرعبنا المذيع وهو يقرأ أغرب القرارات:

“استنادا الى المادة 42 من الدستور المؤقت رسمنا بما هو آت:

– اولاً يحكم بالإعدام كل من ينتقد رئيس الجمهورية!

– ثانيا يحكم بالإعدام كل من ينتقد رئيس الوزراء وأعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء وقيادات الحزب”!

هذا القرار صدر بالفعل.. وبعد الضجة الكبيرة التي أحدثها في العالم تم تغيير الحكم من الإعدام الى السجن المؤبد!

***

والدساتير في العالم تقسم الى قسمين: الأول يسمى الدستور المرن.. وهو دستور يسهل تغييره، كما هو الحال مع دساتيرنا السابقة ولا يحتاج التغيير الا الى توقيع من الرئيس. والقسم الثاني يسمى بالدساتير الجامدة ومنه دستورنا الحالي الذي تم اقراره بعد الاستفتاء عليه عام 2005.

(الدستور المرن) يحتاج لحظات كي يتغير.. اما (الدستور الجامد) فهو يحتاج الى عشرات السنين لتغيير كلمة فيه!

(حدد دستورنا الذي يكثر الصراخ بوجهه طريقة تغيير اية مادة فيه بالتالي:

بعد اتفاق البرلمان ورئيس الحمهورية ورئيس الوزراء على التغيير المطلوب فانه يجب عرضه على استفتاء شعبي فإن وافقت الأغلبية على التغيير حصل هذا).

***

لكن مهلاً!

لا يتم التغيير رغم تصويت أغلبية الشعب عليه اذا اعترضت أغلبية سكان ثلاث محافظات عليه! يعني فيتو لا يقبل النقاش.

آليّة مثل هذه وصعوبة تحقيقها على ارض الواقع، هي التي تضع دستورنا في فئة الدساتير الجامدة. (والجمود صفة حميدة جدا في عالم الدساتير).
هذا الجمود ضروري في المجتمعات التي فيها تنوع ديني وقومي وطائفي حتى لا تتحكم فئة او اكثر بالحقوق الدستورية لفئة او طائفة اخرى. ويمكن القول ان هذا النوع من الدساتير هو الذي يشكل الركيزة لبناء المجتمعات المضطربة.

***

واذا كنت معارضاً للحكومة وسلطتها فسأذكر لك مثالاً يعجبك من الدستور:
اذا أراد رئيس الوزراء مثلا اعلان حالة الطوارئ في العراق فإن الدستور يلزمه بالتقدم بطلب للبرلمان يوضح فيه الأسباب التي تدعوه لهذا الطلب. وبعد النقاش الطويل يمنح رئيس الوزراء حق اعلان حالة الطوارئ ولكن لمدة لا تزيد على شهر! وعلى ان يقف في نهاية الشهر ويشرح ما قام به ولماذا.. وكلما أراد شهراً من شهور الطوارئ كان عليه اقناع البرلمان بطلبه!

***

لكن.. لماذا يتحدث السياسيون ومن احترف التحليل السياسي التلفزيوني عن ضرورة تغيير الدستور؟ وهل يعرفون اي هراء ذلك الذي يلوكونه ويدعون حتى المتظاهرين لرفعه في تظاهراتهم؟!

هل هم جهلة ولم يقرأوا الدستور وآليات تغييره شبه المستحيلة؟ ام انهم يتحدثون وفي ذهنهم اشياء اخرى؟

انا أفضّل أن أنظر لهم (ومن باب المجاملة ليس إلا) كجهلة بالدستور الذي قُدّ من صخر أصم.. فهذا افضل من اتهامهم بالولع بالمادة 42 من الدستور المؤقت!