فرقة الفنون الشعبية تحلم باستعادة مجدها

709

حيدر النعيمي  /

فرقة الفنون الشعبية التي تأسست عام 1971 كانت خير سفير للعراق في مختلف دول العالم التي استقبلتها، وحازت على أرفع الجوائز العالمية، هي وجه العراق الفني وخير من أظهر الجمال والتراث والفولكلور العراقي للعالم.

الفرقة التي كانت تزهو بنشاطها وحركتها الدؤوبة يسود الصمت في أروقتها ويخيّم الحزن على وجوه من تبقى، ليصل الى حد البكاء، فهي اليوم تعيش على الأطلال.

بضع بنات يرقصن هنا وبضعة شباب يتدربون هناك والعدد في تناقص بسبب شحّ شديد في الموارد المالية وعدم إعطاء الأجور لأشهر، ما تسبب في هجرة جماعية، فلم يتبق من الجيل السابق سوى أربعة أشخاص فقط يتشبثون بحلم العودة من جديد.

” مجلة الشبكة العراقية” حاولت معرفة أسباب خفوت نشاط الفرقة، إلا بمشاركات خجولة هنا وهناك، فكانت لها هذه الجولة مع أعضاء فرقة الفنون الشعبية:

معاناة مادية

مدير الفرقة المدرب ومصمم الرقصات فؤاد ذنون قال: الفرقة تمر حالياً في حالة سيئة، نحاول أن نفعل ما بإمكاننا لديمومة هذه الفرقة التي عانت الكثير بسبب الوضع المادي وموضوع الرواتب بسبب قوانين وأنظمة قاسية جداً في وزارة المالية على الدوائر الفنية والثقافية، ما تسبب في تراجع الأموال، وبالتالي تأثرت الفرقة ومستواها، فما بين كتابنا وكتابكم بين المالية ودائرة السينما والمسرح نحاول أن نجد مخرجاً لإعطاء رواتب لأعضاء الفرقة للاستمرار في تقديم اللوحات والفعاليات داخلياً، أما الفعاليات الخارجية فلا نستطيع أن نلبيها بسبب فقر التمويل، وهذا يعود الى ميزانية وزارة الثقافة، فهي قليلة جداً قياساً للوزارات الأخرى ولهذا يكون الدعم شحيحاً لنا.

هنالك ثلاث دوائر تعمل بنظام التمويل الذاتي في وزارة الثقافة هي دائرة الفنون التشكيلية ودائرة الشؤون الثقافية ودائرة السينما والمسرح. كنا نأمل أن يصدر تشريع بتحويل تمويلها وجعله مركزياً، ولكن للأسف لا رئيس الوزراء ولا الحكومة يهتمون بالثقافة فهم بعيدون عنها كل البعد، وحتى لو تحدثت معهم مراراً فكأنك تنفخ في قربة مقطوعة، لن يفعلوا أي شيء سوى الاستماع فقط بدون تنفيذ وليست لهم علاقة لا بالفن ولا بالثقافة، وليس لهم أي اهتمام سواء تقدمت الفرقة أم لا.

نحن المؤسسين لهذه الفرقة منذ 1971 لغاية 2018 مررنا بظروف وكبوات كثيرة، ولكون تأريخنا مع هذه الفرقة يمتد لأكثر من 40 عاماً فقد حافظنا عليها قدر المستطاع، وإذا لم نلق الدعم أخشى على الفرقة من الزوال.
أتمنى أن يكون للفرقة نظام مالي خاص عن طريق وزارة المالية حالنا حال الفرقة السمفونية الوطنية، وذلك بتخصيص مبلغ سنوي لها للرواتب والأزياء والتصميم والانتاج والأكسسوارات والمشاركات الخارجية حتى تستطيع تقديم رسالتها للعالم وتقول لهم هذا العراق وهذا تراثه وفنه وتاريخه وثقافته.
أتمنى على الحكومة العراقية الجديدة تحقيق مطالب الشعب وبالأخص أهل البصرة، فوضعهم يدمي القلب وأنا اقدم مطالب أهل البصرة على مطالب فرقتي فشعب البصرة شعب عظيم.

دعم خاص

كما طالب ذنون المسؤولين أن يراعوا الثقافة والفن في البلد، فإذا لم تكن هنالك ثقافة وفن في البلد لاتوجد هنالك بلدان، وأطلب من الوزير المقبل أن يدعم الفرقة دعماً خاصاً ويضع لها تخصيصاً مالياً جيداً لأنه ليس من المعقول أن تتراوح رواتب الفرقة بين 300-500 ألف دينار وهناك شابات ضحّين بسمعتهن بسبب نظرة المجتمع لهن على أنهن راقصات في فرقة الفنون الشعبية وبعد كل التعب والتدريب يتأخر صرف أجورهن لخمسة أو ستة أشهر ما يدفعهن لترك الفرقة، وهذا يحتم علينا إيجاد عناصر جديدة والبدء معهن من الصفر.

بكاء مرير

فيما تقول الفنانة هناء عبد الله: تمر علي أوقات أبكي فيها، فرغم مرور 53 عاماً على خدمتها في فرقة الفنون الشعبية، فهي مازالت عرّابة الفرقة والمدرّبة ومصمّمة الرقصات. هناء عبد الله تتواجد وبنشاطها المعهود وعيناها ترنو صوب الفتيات الجدد اللاتي تدربهن على لوحات راقصة جديدة، ولكن المتمعن يجد أن ملامح هناء يشوبها بعض الحزن. عن هذا الأمر حدثتنا: نعم أنا حزينة على حال الفرقة الحالي، والتي أفنيت عمري فيها منذ عام 1963 حين كان عمري آنذاك 12 عاماً حيث كانت البداية مع فرقة الرشيد لمؤسسها الأستاذ الراحل حقي الشبلي.

لقد حكم الجانب المادي حكمه الجائر في جميع المجالات، وليس في المجال الفني فقط، فمثلاً أعاني من جانب توافد الراقصات، فالبنت التي تأتي للفرقة تضحي بسبب نظرة المجتمع مقابل اكتفائها مادياً على الأقل من خلال توفير راتب لها، وهذا نظير جهدها من تعب التدريب واجتيازها الظروف غير الملائمة للعمل.

من غير المعقول أن يتأخر صرف أجور البنات لخمسة أو ستة أشهر، سابقاً كنا نصبرهن من خلال السفر خارج العراق وتقديم العروض الخارجية فيكون ذلك متنفس جيد لهن، أما الآن، كل شيء انقطع عنا.

أحيانا تكون لدي مثلا تسع بنات وفجأة تتبقى لديك بنتان فقط، ماذا تفعل حينها؟
تمرّ علي أوقات أبكي فيها وأتساءل: هل هذا معقول؟ هل هذه هي فرقة الفنون الشعبية التي جالت وصالت العالم وقدمت العراق بأبهى صورة؟ لقد سافرت الى مملكة السويد وأسست فرقة انكيدو هناك، وتم تكريمي وطالبوني بالبقاء، ولكني لم استطع.

الإحساس أساس عملنا

من منّا لم يشاهد ابتسامته العريضة وهو يطير في الهواء حاملاً “السيف والدركة”، فهو من تصدرت صورته صحف ووكالات العالم برقصة الجوبي وغيرها من اللوحات المذهلة… حديثنا كان مع آخر المتحدثين المدرب عادل لعيبي أحد أعضاء الفرقة منذ أكثر من ثلاثين عاماً تقريباً وحالياً مسؤول عن تدريب الشباب.

تحدث لعيبي قائلاً: عملنا ليس رياضياً فقط، فالعمل عبارة عن إحساس، هو أساس كل شيء، فعندما نتعامل بإحساس صادق فإنه سيصل الى الجمهور، وقمة الحرفية والمهنية هي كيف تنقل إحساسك للآخر.

للأسف وضع البلد العام أثر على الفرقة من ناحية الجانب المادي حتى باتت لا تستطيع تلبية الدعوات، نحن هنا لانلوم دائرة السينما والمسرح ولا وزارة الثقافة، بل نطالب وزارة المالية بجعل تخصيص فرقة الفنون الشعبية والسمفونية تخصيصاً خاصاً، فنحن أصحاب رسالة جمال.