مهدي علي الراضي

1٬005

كاظم حسوني/

يتجدد حزني كلما طافت بخاطري صورة الروائي الصديق مهدي على الراضي، الذي اسدل الستار على حياته منتحرا في شقته بدمشق في 18 شباط / 2007 ولعلها أول حادثة انتحار لأديب عراقي، وبرغم مضي كل هذه الأعوام ، أرى من الصعب تصديق قصة موته المثيرة للشبهات، فالرجل الذي عرفناه قرابة ستة أشهر كزميل عمل معنا في الصباح قبل مغادرته الى دمشق ليلقى حتفه هناك، كان لا يعرف للهم طعما، اذ كان يبدو غير مكترث بشيء، ازاء أقسى الظروف واحلك الأيام، كان متمردا بامتياز ومتحررا من أي ارتباط، كأنه عابرسبيل يعيش حياته ساعة فساعة، خفيفا، فارغ القلب، مكتفيا بقميص وبنطال بجيب خال الا من بضعة دنانيرمجعدة لثمالة المساء، متأبطا رزمة أوراق كتاباته المتسخة بعرق أصابعه، كان نقيا محبا لكل ما في الحياة المسورة بكوابيس الارهاب، وعلى الدوام كنت أتمثله رجلا يسكنه ذلك الطفل الوديع الذي يمارس أفعاله بضمير مطمئن وعفوية بالغة، ولمن عرف الراضي يدرك أنه كان راضيا بالعيش الكفاف، لايشغله شيئا منذ عودته الى العراق بعد هجرة امتدت لثلاثين عاما سوى كيفية تدبير ثمن الشراب! متعته الفريدة مع الكأس، مفضلا حياة التشرد على العيش الرتيب المستقر الذي لا يلائم مزاجه العابث، اذ هجر أسرته في أمريكا ليعود الى بغداد ثم ينتقل الى دمشق لينهي حياته منتحرا. الا فما أغرب طبيعة هذا الرجل وحكاية موته التي اثارت الجدل والاستغراب ؟ لما عرفنا فيه من رغبة في الوجود وممارسة للحياة المصاحبة لمظاهر طبيعته اللاهية، وانها لمفارقة تبدو لمن لا يعرفه أن يصدق بأن الراضي كان كاتبا دراميا وقاصا وروائيا مبدعا، اذ تعذر على الكثيرين الاطلاع على منجزه الابداعي الذي اصدره في بلدان الشتات، وبما يلوح من مظهره وهيئته التي ترسم شكلا لرجل تائه على الأرصفة!. لقد ضاعت قصة انتحار مهدي علي الراضي وسط صخب مشاهد الخراب ووقائع الموت اليومية لتلك الأعوام ، لكننا مدعوون للبحث عن أعماله الروائية والقصصية التي تروي وتؤرخ لعذابات وطن مقهور.