العراقيون يجتهدون لاقتناص فرحة العيد من أنياب “كورونا”

#خليك_بالبيت

إياد عطية الخالدي /

فرض فيروس كورونا المستجد أحكامه على احتفالات العراقيين بعيد الفطر المبارك، من دون أن يتمكن من قهر آمالهم بغد أفضل وعيد جديد يُعيد البهجة لحياتهم المحاصرة بالهموم والجراح.
وبينما عمل الفيروس على سلب فرحة العيد، فإن العراقيين صنعوا أجواءً تعيد بعضاً من بهجته وسط الجائحة.
فقد اختفت طقوس العيد وكثير من عاداته وتقاليده في ظل استمرار الجائحة وتصاعد أرقام الإصابات بالفيروس في الآونة الأخيرة، وفي ظل أزمة اقتصادية ألقت بتبعاتها على أجوائه، لكن العراقيين أصروا على الاحتفال به ولو بفرحة ينقصها الكثير.
وبينما بدت الشوارع الرئيسة في العاصمة شبه خالية بعد أن فرضت الحكومة حظراً شاملاً للتجوال طوال أيام العيد، كسر المواطنون في ضواحيها وفي عدد من أحياء المناطق الوسطى والجنوبية الحظر ومارسوا حياتهم دون اكتراث بالفيروس، ضاربين عرض الحائط بالتحذيرات التي أطلقتها خلية الأزمة وأعلنت فيها فقدان سيطرتها على تفشي الفيروس.
إلغاء صلاة العيد
وفرضت أزمة كورونا على الوقفين الشيعي والسنّي إلغاء صلاة العيد، لكن العتبة الحسينية فتحت ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) أمام الزوار من أهالي كربلاء المقدسة، فيما أحكمت القوات الأمنية منع دخول الزائرين إلى المدينة التي اعتادت استقبال الملايين من الزائرين في مناسبات العيد.
يقول مدير إعلام العتبة الحسينية المقدسة علي شبَّر الحسيني: “التزاماً بالتعليمات الوقائية الصادرة من دائرة صحة كربلاء المقدسة، تقرر عدم إقامة صلاة العيد في الصحن الحسيني الشريف.”
وأوضح شبّر “أن العتبتين الحسينية والعباسية فتحتا أبوابهما للزائرين من أبناء المحافظة، لكن شريطة التقيد بتطبيق إجراءات السلامة الصحية”.
وأظهر الصحفي علي سعيد تذمّره من عدم التزام الناس في كربلاء بالإجراءات الوقائية، ولاسيما أن الكثير منهم ما زالوا ينكرون وجود هذا الفيروس ولا يأبهون بالتحذيرات التي تطلقها الجهات الصحية.
مشهد غير معتاد
وبدا متنزه الزوراء موحشاً في سابقة لم يعهدها منذ إنشائه مطلع السبعينيات من القرن الفائت بعد أن أعلنت امانة بغداد إغلاق متنزهات العاصمة ومسابحها ومدن ألعابها ومرافقها الترفيهية استجابة لتوصيات خلية الأزمة بمنع التجمعات للوقاية من تفشي فيروس كورونا.
ويعد متنزه الزوراء من أكبر المرافق الترفيهية التي تحتضن المحتفلين بالأعياد والمناسبات في بغداد.
ولجأ الأطفال إلى الألعاب الإلكترونية بديلاً عن ألعاب الملاهي والمدن السياحية والترفيهية، في حين وجد الكبار ضالّتهم في برامج التلفزيون ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي.
الكليجة العراقية
ومع هذا، فإن العراقيات لم يتخلّين عن عاداتهن، واجتهدن في إضفاء لمسات من الجمال على أيام العيد، فقد بدأن استعدادهن مبكراً لتحضير (الكليجة)، وهي أهم أنواع المعجنات التي ارتبطت بطقوس العيد في العراق، وعملن على تزيين بيوتهن وترتيبها لاحتفالات بيتية بهدف اقتناص فرحة سلبها فيروس كورونا.
ومثل كل سكان العالم، فإن تقنيات التواصل كانت السبيل الوحيد للتواصل مع الأهل والأحبة، ولاسيما أولئك الذين يقيمون في مدن ومناطق قطّع أوصالها الحظر.
وفي كركوك
شددت الأجهزة الأمنية فرض حظر للتجوال في مدن بغداد وكركوك، التي شهدت انتشاراً أمنياً مكثفاً معززاً بنقاط تفتيش لأبطال اللواء ٦١ .
يقول الصحفي المستقل علي العزاوي لـ(الشبكة): “لم نشعر في كركوك بالعيد، فقد أغلقت القوات الأمنية الشوارع والأسواق إغلاقاً تاماً، وسط تعاون والتزام من غالبية المواطنين باستثناء قلّة لا يؤمنون أصلاً بوجود الفيروس. ومع هذا فإن للعيد أجواءه داخل النفوس، إذ تحاول العائلات الكركوكلية أن تتمسك بما يمكنها من تقاليده وبهجته التي سلبها فيروس كورونا”.
الحنين للعيد
من جانبه، يرى الكاتب خضير الزيدي أن “هذا العيد بظروفه الغريبة إنما يوفر استذكاراً حميماً لمرحلة باقية في ذاكرتنا جميعاً، إلا أن المختلف طوال كل تلك السنين هو ما نعيشه هذا العام من لحظات تبدو مقرفة وصادمة جرّاء وباء كورونا، إنها مأساة الإنسان الذي عليه أن يتهيأ ليعيش أياماً أكثر قسوة تحت قيود الحظر الخانقة، وطبعاً الأمر مرتبط بتعدد الإصابات وكثرتها، شخصياً بدت أجواء العيد وكأنها غائبة.. هذا الالتزام قيّد حركتنا واشتد في أيام العيد، ما يعني أن قوة القانون والخوف من إصابات ربما تتفاقم شكل غياباً لمظاهر أجواء العيد، لهذا بقيت ذاكرتنا تحنُّ لأيام مضت، ومن يدري فربما نعيد استذكارها لأطفالنا.”
العيد في واسط
وفي واسط، ألقى فيروس كورونا المستجد بظلاله على العيد هناك. يقول الصحفي جبار بجاي متحدثاً لـ (الشبكة): “إن العيد اختلف كثيراً هذه المرة عن الأعياد السابقة بسبب الإجراءات الحكومية على المستويين الأمني والصحي جرّاء انتشار فيروس كورونا، فقد أغلقت الأماكن الترفيهية، وذلك حرم الناس من ارتيادها، وكذلك الطرق الخارجية التي تربط المحافظة مع المحافظات الأخرى كانت شبهة مقفلة، وكل تلك الإجراءات جاءت ضمن توصيات خلية الأزمة في المحافظة.
وعلى صعيد التزاور بين العائلات الواسطية لتبادل تهاني العيد، فقد بدا مختلفاً تماماً أيضاً، إذ تراجعت هذه الحالة بنسبة كبيرة جداً في المناطق الراقية، ولكنها حافظت على وتيرتها في المناطق الشعبية والقرى والأرياف.
وعلى الرغم من ذلك فإن كثيراً من الشيوخ والوجهاء وأعمدة القوم في أغلب مناطق المحافظة سبقوا العيد بإصدار بيانات اعتذروا فيها عن استقبال المهنئين بالعيد وذلك انسجاماً مع توجيهات المرجعية الرشيدة ووصايا خلية الأزمة المركزية والمحلية لمنع انتشار الوباء.
وأغلقت المساجد أبوابها وامتنعت عن أداء صلاة العيد وذلك على وفق توجيهات المرجعية، ورافق ذلك كلّه التزام جيد من قبل الأهالي”، وأشار بجاي إلى “أن عملية التزاور بين الأقارب والجيران وبعض الأصدقاء كانت خاطفة وسريعة وروتينية، واكتفى كثير منهم بالسلام فقط دون المضي بالتقاليد السائدة كالتقبيل والعناق وغيرها.”
تهاون وعدم التزام
غير أن السكان في مناطق واسعة من بغداد والمحافظات لم تمنعهم التحذيرات الصحية والحظر من ممارسة طقوسهم المعتادة، وفي هذا الشأن يقول عبد الرزاق العمير: “لا يمكننا الاستسلام والتخلي عن عاداتنا الاجتماعية، لقد اعتدت على استقبال أصدقائي وتناول وجبة العيد معاً.”
ويكمل: “دعنا ننسى هذا الفيروس ونستمتع بأجواء العيد بلا منغّصات، فقد مللنا التقيد بالقواعد التي لا نستطيع الالتزام بها.”
وفي مناطق واسعة من بغداد رصدت (الشبكة) تهاوناً واضحاً بأبسط الإجراءات الصحية، فأمام أفران (الكاهي)، حيث يفتتح العراقيون إفطارهم الصباحي في أول يوم العيد بتناول (الكاهي والقيمر)، كان التزاحم على أشدّه.
وفي منطقة مثل مدينة الصدر، حيث يجتمع أكثر من خمسة أشخاص تحت سقف واحد، يغدو التقيد بمفاهيم التباعد الاجتماعي غير ذي جدوى في منطقة يشكل التحام الناس بعضهم بالبعض الآخر جزءاً من طابعها وحياتها وثقافتها، إذ تغصّ أزقتها بالناس الذين لا تسعهم جدران بيوتهم المتلاصقة.
ولائم كبيرة
أما في القرى والأرياف، فلا يبدو أن السكان هنالك يعيرون اهتماماً للتعليمات الحكومية، ولا يأخذون أزمة كورونا على محمل الجدّ، فالتجمعات والولائم الكبيرة التي يقيمها الشيوخ والوجهاء ظلّت على حالها، ولاسيما في العيد.
يقول أسامة رزاق: “هربنا من أجواء المدينة إذ حضرنا مأدبة كبيرة أقامها خالي جمعت العشرات من أبناء العشيرة لتبادل التهاني في العيد ونسينا كورونا الذي نسمع عنه في مواقع التواصل وأخبار التلفزيون، ولم أرَ أهالي القرية يتذكرونه إلا على سبيل المزاح”.
أجيال تحت سقف واحد
يقول الطبيب حيدر حسن طارش: “ندرك تماماً أن احتمالات تفشّي الوباء وانتشار العدوى بشكل سريع في بعض المناطق المكتظة بالسكان كمدن الصدر والشعلة ومناطق باب الشيخ والكفاح سيكون سريعاً، فأنت تتحدث عن عوائل عدّة مؤلفة من أجيال ما زال يعيش بعضها مع بعض تحت سقف واحد، الأمر الذي يسرِّع بانتقال العدوى بين السكان. والواقع أن هناك مخاوف جدّية من انتشار الفيروس في العراق بسبب سلوكيات الناس وثقافتهم، نحن نصدم بأناس يرفضون التصديق بوجود مرض خطير ويعدون الحديث عن خطورته مؤامرة .لا أعرف كيف يمكن تقويم تصرفات الناس أثناء وجودهم في الأماكن العامة، لقد رأيت أن الحديث مع أصحاب المحال أفضل، فثمة من يلتزم بقواعد التباعد والإجراءات الصحية، في حين لا يتصرف الغالبية من أصحاب المحال بطريقة صحيحة تحول دون نشر العدوى”.
وأضاف طارش: “لست أفهم معنى التمسك بأعراف خاطئة، فالناس بدلاً من أن يتحاشى بعضها البعض عند الوقوف في الأماكن العامة والمحال وفي سيارات النقل العام، تجدهم يمارسون سلوكيات مناقضة لمفهوم التباعد الاجتماعي، وهو ما يراهن عليه الناس لإعادة الحياة تحت قيود وقواعد صارمة، لكن في العراق لا يمكن المغامرة والرهان على سلوك الناس.”
الفرحة السليبة
فيما يقول محمد سليم، وهو مدرس متقاعد: “لا يمكن أن ننكر أن كورونا سلبَ فرحتنا بالعيد، وغيّر نمط تفكيرنا وفرض أحكامه على تصرفاتنا، فلم نتمكن من أداء صلاة الجماعة، ولم نخرج مع عائلاتنا لتناول السمك المسكوف على شواطئ دجلة، ولم نجتمع مع أحبتنا في مقاهي بغداد، ولم نتناول شربت الزبيب في شارع الرشيد، واختفت المراجيج ودولاب الهواء والألعاب الشعبية من مناطقنا، كورونا سلب فرحتنا ونغّص حياتنا.
ومع كل هذا الجرح الكبير والغائر الذي تركه الفيروس في نفوس الناس، إلا أن الأمل والثقة بالله كبيرة بتجاوز المحنة وأن يعود عيد الأضحى وقد انتهت الجائحة، وهو عيد البشرية التي عانت كثيراً ولم تزل.”

 

النسخة الألكترونية من العدد 360

“أون لآين -3-”