العيادات الطبية الشعبية.. مستشفيات مصغَّرة تعاني الإهمال

ذوالفقار يوسف – تصوير:  حسين طالب /

منذ خمسينات القرن الماضي تم تأسيس العمل بنظام المراكز والعيادات الطبية التي كان من أولوياتها تقديم الخدمات الصحية الأولية المجانية للمواطنين، كداعم للمستشفيات الحكومية والخاصة، إذ انتشرت هذه العيادات الطبية في جميع أنحاء البلد. وقد تأسست بموجب القانون دائرة تسمى (دائرة العيادات الطبية الشعبية) تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، مرتبطة بوزارة الصحة،فمن الرصد الوبائي والصحة المدرسية وبرامج اللقاحات إلى المسوحات الصحية. تهدف هذه العيادات إلى رعاية المواطن صحياً بتقديم أفضل الخدمات الطبية لقاء أجور معتدلة تقل عن الحدود المعمول بها في العيادات والمستشفيات الخاصة والمختبرات، بغية تقليل الأعباء المالية على المواطنين.
كانت لـ”مجلة الشبكة العراقية” زيارة خاصة لإحدى هذه العيادات واختيارها لكونها العيادة الوحيدة التي ولدت وسط منطقة سكنية عشوائية، للنظر في فعالية تقديمها الخدمات للمواطنين، والخوض في تفاصيل مقومات عملها في منطقة الشعب، وبالتحديد في حي البساتين.
صحة الشعب
ما إن دخلنا أنا والزميل المصور إلى الشارع المؤدي للعيادة الطبية في منطقة حي البساتين، وهو شارع ترابي غاب الإسفلت عنه، ولاتتوفر فيه أبسط الخدمات لكي يكون طريقاً سالكاً لهذا المركز الذي يعنى بصحة المواطن. بحثنا عن أي شيء يدلنا على مبنى العيادة، ورغم وصولنا إليه، وجدنا الباعة وأصحاب المحال ومولدات الطاقة الكهربائية قد غطت سياج هذه العيادة، وبائع (القيمر) قد سدَّ بعربته جدارها الجانبي الذي كان بالإمكان استغلاله بمنشورات ومطبوعات تعنى بالتوعية الصحية من قبل القائمين على العيادة، أما الجانب الآخر فقد حجب بمولدات الكهرباء والدخان والضجيج بسبب عدم توفر المساحة الكافية لنقلها إلى مكان أفضل، إذ أن مساحة العيادة الطبية لا تتعدى الـ(350 متراً مربعاً) وهذه المساحة لا تكفي لسد احتياجاتها ووحداتها المتعددة.
مدير المركز الصحي في حي البساتين شمال العاصمة الدكتور صفاء كاظم صالح المحمداوي أكد: “أنه تم تسليمنا الإدارة في الشهر الرابع من العام 2015 حين كان واقع المركز بصفته مركزاً صحياً فرعياً في المحلة (346) تابعاً إلى المركز الصحي لحي سومر في منطقة الشعب، وبخدمة كثافة سكانية تقدر بـ30 ألف شخص فقط، أما الآن وبحمد الله استعطنا توفير الخدمة لأكثر من 31 ألف نسمة، إذ يعتبر المركز هو الوحيد في الجانب الأيسر من قطاع الشعب، ويخدم عشر مناطق سكنية، فهو يمتد من جانب القناة وصولاً إلى سيطرة الشعب، فضلاً عن المناطق العشوائية، وعلى الرغم من هذه التغطية الكبيرة إلا أننا استطعنا أن نوفر للمواطنين ما لم توفره بقية المراكز وبأفضل صورة ممكنة”.
عدم ثقة
يبلغ المجموع الكلي لمراكز الرعاية الصحية بحسب إحصائيات وزارة الصحة (2331) مركزاً للعام 2010، إضافة إلى العيادات المتنقلة والطبية الأخرى، وبحسب إحصائية عديد السكان في البلد التي تعدت الـ35 مليون نسمة، فإن هذه العيادات ليست لديها القابلية على احتواء هذا العدد الكبير من المواطنين، إذ تؤكد المؤشرات الدولية على أهمية أن يكون عدد مراجعي مراكز الرعاية الصحية الأولية محدوداً ليتسنى لهم تطبيق برامج الرعاية بشكل أفضل، كحصول المواطن على استحقاقه من رعاية الدولة الصحية له وفق ما نص عليه الدستور، وإمكانية تغطية الرقعة الجغرافية كاملة بكل أنواع التحصين، إذ أن حالة واحدة ممكن أن تسبب وباءً، كذلك توفير فرصة فحص ومعالجة الحالات بشكل جيد.
أكد صالح أن: “هناك سوء علاقة بين المؤسسات الصحية الحكومية والمواطن، وهناك عدم ثقة بالرغم من أنه لاتوجد رقعة في العراق غير مخدومة صحياً أو لا تتوفر فيها العيادات الصحية، وأن التوزيع الصحي الجغرافي شامل لجميع المساحات الموجودة داخل البلد، وبغض النظر ما إذا كانت هذه المناطق نظامية أو عشوائية، فإن المركز الصحي ملزم بتقديم الخدمات الصحية للمواطن، صحيح أن هناك تقصيراً بسيطاً من قبل العيادات، إلا أن المواطن يكيل اللوم على كوادر العيادات الصحية التي لا حول لها ولا قوة، فعدم توفر الأدوية أو الأجهزة الطبية من مسؤوليات الوزارة وإدارتها، ما يجعل المواطن يلتجئ إلى العيادات الخاصة، وهذا ما جعل من أولوياتنا أن نحتوي المراجع وأن نقوم بتوسيع عمل الإعلام الصحي لكون أغلب المواطنين لايعلمون بوجود مركز صحي في المنطقة بسبب أن مركزنا حديث التأسيس، ولكونه كان في السابق مركزاً صحياً فرعياً مقتصراً على اللقاحات والرعاية فقط. وعلى الرغم من أن مساحة المركز بقيت على حالها، إلا أننا استحدثنا وحدات من خلال التأهيل فقط، فقد كان همّنا الوحيد هو إنهاء معاناة المواطن في الوصول إلى المراكز البعيدة عن سكنه ليتلقى الرعاية، فتم افتتاح وحدة الصحة المدرسية التي تمت فيها خدمة 12 مدرسة حكومية و10 مدارس أهلية، ونقوم بفحص 1500 طالب تسجيل جديد، أما الوحدات الباقية فتم افتتاح وحدة الأسنان ووحدة صحة النفس الاجتماعية التي تعنى بالجانب النفسي للمواطن”.
تعزيز الوعي الصحي
الجانب الإعلامي في كل مؤسسة هو جانب مهم في توعية المجتمع، ولاسيما في المناطق النائية والعشوائية.
المحمداوي ركّز على أهمية هذا الجانب قائلاً: “لعدم معرفة المناطق الواقعة على الرقعة الجغرافية بوجود عيادة طبية، والتي يجب على مركزنا الصحي توفير الخدمات الصحية لها، استطعنا افتتاح وحدة التعزيز الصحي التي تتكون من كوادر مسؤولة إعلامياً في نقل الرسائل الصحية للمواطنين وإعلام نشاطات المركز الصحي، وكان لهذا الكادر دور مهم وجيد في نقل صورة المركز وخدماته إلى المواطنين، فقد تضاعفت أعداد المراجعين عشرات المرات منذ افتتاح هذه الوحدة، إذ كان المركز حينها يستقبل عدداً من المراجعين لا يتعدى الـ(15) مراجعاً في اليوم الواحد، إلا أن العدد في هذه الفترة قد تضاعف ليصل إلى( 120 ) مراجعاً يومياً”.
مدير المركز أوضح: “أن أغلب المناطق التي يخدمها مركزنا الصحي هي مناطق عشوائية، وهذا الأمر يجعلنا في تحدٍّ كبير، ولاسيما من ناحية توفير اللقاحات والكوادر الجوالة، لكون هذه المناطق صعبة الوصول ولا توجد لها بيانات وإحصائيات تسهل عمل الفرق والكوادر الطبية، إلا أنهم من ضمن رقعة المركز الجغرافية وواجبنا خدمتهم، وبجهود الكوادر استطعنا أن نحصل على إحصائية لهذه المناطق، إذ قمنا بإنجاز 15 حملة لقاحات وتم تحقيق نسبة 91% من أهداف المركز بتغطية هذه المناطق، وهذه النسبة صعبة الوصول حتى في المناطق النظامية ويرافق ذلك، وهو الأهم، التثقيف الصحي للمواطنين بخصوص اللقاحات ودورها في الحد من الأمراض لأن أغلب سكنة هذه المناطق تكون الثقافة الصحية لديهم معدومة”.
مناشدة
مع ضرورة سدِّ كل احتياجات المواطنين من خدمات طبية، يجب أن تتوفر بيئة مناسبة ومكان ملائم لاحتواء المواطن، وكمكان لا تتعدى مساحته الـ350 متراً مربعاً، لا يغطي جميع وحدات هذا المركز أو حتى أن يكون واجهة لمركز يعنى بالجانب الصحي، يناشد مدير المركزالجهات المعنية من خلال مجلتنا ويقول: “ناشدنا الجهات والدوائر الصحية بتخصيص مبنى يصلح كمركز صحي نموذجي، وتوفير بناية بديلة أفضل وأكبر، لأن الجانب الصحي هو أهم جانب في البلد ويجب أن تكون مبانيه مجهزة وذات مساحة كافية. وعلى الرغم من جهود المدير العام الدكتور عبد الغني سعدون وتعاون القطاع المتمثل بالدكتور علي حسون وتأهيلهم لمركزنا الصحي وتوفيرهم احتياجات المركز خدمة للمواطن، إلا أننا نصبو للأفضل لكي نسيطر على الأمراض في البلد، ونتمنى أن تعود ثقة المواطن بالمؤسسات الصحية الحكومية لكونها منه وإليه”.