بغداد تبحث عن آلقها المفقود

اية منصور _ عدسة : صفاء علوان/

المدينة التي طالما وصفت بالرقيّ، وتغنى الشعراء بجمالها وضرب المثل بالتزام سكانها بالنظام، تبدو اليوم كمدينة عجوز تعاني البؤس وتسودها الفوضى وتجتاحها تلال النفايات، ولم تعد شوارعها قادرة على احتمال الأعداد الهائلة من السيارات، فطرقها وهنت وأكلت القطع الكونكريتة من جرفها الكثير، فما الذي غير هذه المدينة؟

من نافذة السيارة التي تقلنا كنا نسترق النظر الى الشوارع التي تغص بالسيارات فيما الغبار يتصاعد والإهمال يعلن عن نفسه.

‏تجاوزات

‏يتمادى العديد من أصحاب السيارات بتجاوز أبسط قواعد المرور ويوقفون مركباتهم في الشوارع بطريقة عشوائية، وما أن يقطعوا طريقاً ما حتى تتعالى أصوات المنبهات.

‏يعتقد “أبو محمد”، وهو سائق تاكسي، أن بعض أصحاب الباصات غير مهذبين مطلقاً في تعاملهم مع الآخرين.

‏ يشعرون أن الشارع ملك لهم وحدهم فيحق لهم فعل أي شيء، يقفون حتى في منتصف الشارع من أجل نزول أو صعود أحد الراكبين، لا يشعرون بخطورة هذا الأمر الذي يتسبب بالمزيد من الحوادث، فضلاً عن الزحام الهائل.

‏ويؤكد الرجل الذي خبر شوارع بغداد، بحكم عمله، أن عدم التعامل بجدية وتهاون رجال المرور في تنفيذ القوانين التي تساعد على مرور أفضل، زاد من تماديهم مع الآخرين، فكثرت المشاكل بينهم، وأحياناً من أجل راكب واحد تجدهم يتطاحنون بينما تعلو أصوات عزف نشاز من منبهات السيارات فتزيد الضوضاء في مدينة تعاني التلوث.

‏طعام مجاني

‏أما المحال المتجاوزة والعشوائية على الأرصفة والجزرات الوسطية للشوارع فقد أصبحت دون رقيب او حسيب، وفاتورة التجاوزات، وفقاً لمايقول أصحاب المحال، خاضعة للمساومة والابتزاز.

أصحاب المحال والبسيطات والمطاعم الصغيرة وبائعو الوجبات السريعة، اقتطع كل منهم عدة أمتار من الرصيف او الشارع ليحولها الى ركن خاص به.

‏يجد الكثير من المارة أن “أصحاب البسطيات” تناسوا فكرة وجود الرصيف، الأمر الذي ضيّق من المساحة المحددة أكثر.

يقول أحد المارّة: لا نستطيع الحديث، الأمانة لا تفعل شيئاً لهم، وكذلك الشرطة، فأغلب أصحاب السيطرات العسكرية يتناولون الطعام “مجانا” من هذه المحال ربما مقابل إبقائهم بعيداً عن التهديد بالترحيل قسراً.

عشوائيات

في منطقة ٨٣ الواقعة بالقرب من مدينة الصدر، ثمة مساحات كانت أرضاً للدولة، وقد تحولت الى مبانٍ سكنية وعشوائية امتدت حتى ابتلعت الأرصفة، بعضها تعدى ذلك الى الجزرات الوسطية والشارع، فمن الطبيعي أن تجد هناك جزرة وسطية وقد تحولت الى مطعم “خمس نجوم” فيما نفايات المطعم الراقي تنتقل الى الشارع.

فيما يقوم أحدهم ببناء “منزل صغير” على الجزرة الوسطية ، واضعاً صورة “شخصية نافذة” كنوع من الحماية التي يستند إليها إذا ما حاول أحد محاسبته أو معرفة الأسباب التي جعلته يتجاوز بهذه الطريقة السافرة.

الأمانة

وقد تعرضنا أثناء جولتنا أنا والزميل المصور صفاء علوان لكثير من “الصراخ والغضب” بسبب الكاميرا، ذلك لعلمهم الشديد بكونهم “متجاوزين” ظناً منهم أننا من أمانة بغداد، لكننا، ويا للأسف الشديد، لا نستطيع أن نرى الأمانة في هذه المناطق التي أكلها البؤس وشربها، لعل الأمانة تركز كثيراً على تحسين بعض المناطق المحددة، متناسية الفوضى التي باتت جزءاً من المدينة في المناطق الأخرى ولمَ لا تقوم الأمانة برفع هذه التجاوزات؟ ولمَ لا تعاقب كل من يبني محلاً او مطعماً على رصيف؟

‏ يقول أصحاب مصالح: لانعرف، الأمانة تأتي وتهدد المتجاوزين، ولكن سرعان ماتتراجع وتعود لتتكرر العملية وينتهي الموضوع صلحاً، والتجاوزات باقية.

سجن الحواجز الكونكريتية

“القطع الكونكريتية” جزء من بغداد فرضها الإرهابيون على حياة سكانها حتى غدت رؤيتها هي الأمر الطبيعي، لكن شوارع المدينة ضاقت بها.
نسير في جولتنا بالعاصمة، بكل ألم، ونرى هذه الحواجز، بعضها كان قد انتهى أمره، فقاموا برميها على الأرض، تاركة الكثير من النفايات حولها.
لكن ما أثار استغرابنا وانتباهنا حقاً، هو ثلاث قطع كونكريتية تقف في منتصف الشارع في منطقة ما، لا نعلم سبب وجودها ولم نستطع معرفة ذلك للأسف.

يرى محمد الساعدي أن بغداد أصبحت شبيهة بحاجز كونكريتي طويل يمتد حولها مثل قطع دومينو لم تسقط حتى اللحظة.
‏ هذه الحواجز الكونكريتية عملت على تشويه عالم المدينة وجعلها مدينة مرعبة ومخيفة، أنها مثل الأسلاك الشائكة التي يضعونها عند الطرق لمنع السيارات كما الأسلاك الشائكة المتوزعة في شوارع المدينة وكأن كل المدينة ثكنة عسكرية.
لا إشارات مرورية في هذه المدينة!!

ولأننا هنا نبحث عن مسببات هذه الفوضى التي لا تنتهي، يؤكد شرطي المرور”البسيط” عباس الوائلي، أن لتعطيل إشارات المرور في الشوارع أثراً كبيراً وهائلاً. فتداخل كل هذه السيارات العديدة في الشوارع ببعضها البعض دون إشارة مرور صحيحة، وبمساعدة شرطي مرور واحد او الاعتماد على النفس، وعدم وجود هذه الحوادث الكثيرة أمر مدهش مثير للضحك والبكاء في آن واحد.

‏ منذ 2003 والإشارات المرورية أصبحت مظهراً مثيراً للحزن في الشوارع العراقية، لا يمكن تخيل هذه الزحمة دون إشارات ‏ مرورية، الشارع العراقي أصبح يعتمد على شرطة المرور، وبالطبع يحصل الكثير من المشاكل بسبب عدم عبور أحدهم، او تجاوز أحدهم على الآخر، وهكذا، نحن في دوامة لا تنتهي، العديد من المناطق تجد فيها الشارع الواحد والضيق، وسيارات تسير باتجاهين، فلا تعلم أيهم المتجاوز وأيهم الذي يسير في طريقه الصحيح.

دعوة للتعاون

يؤكد حيدر الفوادي، عضو مجلس النواب، أنه دعا أصحاب البسطيات جميعاً الى التعاون مع أمانة بغداد ومجلس المحافظة وعمليات بغداد لرفع جميع التجاوزات. كما دعا أمانة بغداد للعمل الجاد على إعادة ممتلكاتها وأبنيتها من الجهات التي تسيطر عليها الأحزاب والشخصيات السياسية ..وأنه مع فرض القانون وبقوة إلا في الحالتين التاليتين:

نص الدستور العراقي الدائم على الحق السكن

وعدم هدم الأسواق إلا بعد توفير البديل المناسب

وعدم إزالة البيوت إلا بعد توفير السكن المناسب

والسبب أن العراق يعيش وضعاً استثنائياً، وهذه إفرازات هذا الوضع لذلك نحتاج الى خطط وبرامج وعمل حقيقي بدل تسريح الكسبة او هدم البيوت ودفعهم الى المجهول.