تغييـر المناهـج الدراسيـة.. مزاج مؤلفين أم رؤية علمية وتربوية؟

ذوالفقار المحمداوي – تصوير: علي الغرباوي /

فوجئ (أبو أحمد) عندما قرر أن يساعد ولده في مادة الرياضيات للصف السادس الابتدائي، إذ كان واثقاً حينها من أنه سينال إعجاب ولده، لكونه يحمل شهادة البكالوريوس، وسيتحفه بالطرق المتعددة في إيصال المادة له بسهولة، لكنه ما إن وقعت عيناه على المعادلات صدم بمدى تغير المناهج الدراسية عما كان يعهده في زمانه، فالقوانين تختلف لتكون حاجزاً أمام استيعاب الطالب للمواد الدراسية. أحرج أبو أحمد، فخرج مسرعاً وأمسك بهاتفه الذكي ليبحث عن مدرس خصوصي يستطيع أن يساعد ولده في حل مشكلاته.
تواجه غالبية العائلات العراقية صعوبات جمّة بسبب صعوبة المناهج الدراسية وتغييرها المستمر، ما يجعلهم يتوجهون إلى المدارس والمعاهد الأهلية أو التدريس الخصوصي، وكثيراً ما يعزى سبب ذلك إلى عدم إكمال المدرس المواد الدراسية الصعبة، أو ايصالها إلى الطلبة بصورة صحيحة، وبالتالي حرمان الكثير منهم، الذين لا يملكون مبالغ خاصة للتعليم الخصوصي، من المشاركة، ليهددهم خطر الرسوب.
مراقبون
يبين الأستاذ رياض السعيدي أن “من أهم المراحل التي يخط بها الإنسان صفحات فكره وسلوكه هي تلك التي ترتبط بصباه. وفي العراق نحن بأمس الحاجة إلى رسم رؤية بيّنة تجاه أبنائنا، ولاسيما في المرحلة الأولية، أي الدراسة الابتدائية. ومن منطلق مسؤوليتنا -كآباء أو أولياء أمور- النظر بعين التفحص والتدقيق تجاه ما يوضع في المناهج الدراسية من معلومات في كل الاختصاصات للمراحل الدراسية كافة، وبشكل خاص المرحلة الابتدائية. وعلى سبيل المثال نلاحظ في منهج التربية الإسلامية خلطاً أو ضبابية أو جهلاً في سرد المعلومات التاريخية والفكرية في المنهج، من قبيل عدم التمييز بين الدين والشريعة. إذ يوجد سؤال في المنهج عن تعدد الأديان، في حين أن ليس هناك في المفهوم الديني تعدد أديان إنما تعدد شرائع، فالنصرانية والإبراهيمية دين واحد، لكن بشرائع متعددة، ولسنا في مقام البيان طويلاً بقدر لفت الانتباه إلى ذلك.” يضيف السعيدي: “من هنا، كمواطن، أنصح القائمين على وضع المفردة الدينية من ذوي الاختصاص بضرورة الحرص والتفكر، وكذلك عمل دورات سريعة للمعلمين والمدرسين كل بحسب اختصاصه، تهيئ أذهانهم لغرض مواكبة التطور الفكري وايصاله إلى التلاميذ بالشكل المناسب علمياً.”
معاناة
أما مدرس مادة الكيمياء للصف الرابع العلمي الأستاذ (عبد الوهاب يحيى الخالدي) فيشرح لـ (مجلة الشبكة العراقية) ما تعانيه الأنظمة التعليمية في البلد ووسائلها فيقول: “أتحدث من وجهة نظري عن مادة الكيمياء للصف الرابع العلمي، إذ لا يوجد أي ترابط بينها وبين كيمياء الصف الخامس. أمر آخر هو أن الأسئلة في نهاية كل فصل، أكثر من اللازم.”
أسباب
الدكتور (رياض العمري)، مدير المناهج الدراسية في وزارة التربية، يوضح أن “المناهج الدراسية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة وضعت على مراحل، المرحلة الأولى كانت بعد تغيير النظام، حين كان التحديث يجري على نحو سريع، الغاية منه تنقيح الكتب من نواحي السلامة الفكرية والتعصب والعسكرة.”
يكمل العمري “أما المرحلة الثانية فقد كانت بعد إقرار الدستور العراقي سنة ٢٠٠٥، وإقرار الفلسفة التربوية الحديثة سنة ٢٠٠٨، التي أسست للتمهيد إلى مشروع تطوير المناهج العراقية عبر إقرار الإطار العام للمناهج العراقية سنة٢٠١٢، الذي طورت في ضوئه المناهج الدراسية للعلوم والرياضيات، بالاعتماد على الوثائق الخاصة بهما (مصفوفة المدى والتتابع) لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة القائمة على أساس إعداد جيل واثق من نفسه، متعلم مدى الحياة ومنتج، وبعدها شمل التطوير المناهج الدراسية الأخرى استناداً الى أهداف الإطار العام للمناهج العراقية.”
ويؤكد الدكتور رياض أن “المناهج الدراسية بنيت على وفق أسس علمية وتربوية وإنسانية واجتماعية وثقافية تعنى بنمو سلوك الطفل من جوانبه كافة، فضلاً عن تنمية مهارات الحياة لديه لجعله قادراً على أن يكون فرداً فاعلاً ومتفاعلاً في المجتمع المحلي، ومنفتحاً على المعرفتين؛ الإقليمية والدولية. لذا فإن المشكلة لا تكمن في المناهج الدراسية بحد ذاتها، لكننا بحاجة إلى توفير عناصر تنفيذ المنهج الدراسي، وأهم تلك العناصر البيئة التعليمية. وعلى الرغم من هذا كله تسعى المديرية العامة للمناهج إلى الحصول على التغذية الراجعة من الميدان لمعرفة نقاط القوة في المنهج الدراسي وتعزيزها، ونقاط الضعف لمعالجتها، كما أن عملية مراجعة المناهج الدراسية مستمرة، ليس فقط لتقويم المنهج الدراسي، وإنما لمواكبة التطور المعرفي في العالم، ولاسيما المناهج الدراسية التكنولوجية في التعليم، التي أثبتت أهميتها حين تفشي جائحة كورونا.”
نقطة تحول
الأستاذ (كاظم المحمداوي) استعرض مراحل تراجع التعليم، مؤكداً أنها “منذ عام 2003 والطالب والمدرس في صراع تربوي وثقافي ما بين الحذف والاستحداث والإضافة إلى بعض المناهج الدراسية، ما أثر على وضع الطالب العلمي، والملاحظ أن معظم هذه المتغيرات حدثت في المرحلة المتوسطة. لذا يجب أن نولي عملية تغيير المناهج الدراسية أهمية قصوى، بحيث يمكن أن تكون نقطة تحول في مسار العملية التربوية، غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الوزارة لا تأخذ وقتاً كافياً لدراسة نتائج هذه التغييرات، فلم نجد -مثلاً- خطة خمسية للتقييم، بل على العكس من ذلك، فإن التغييرات تحدث بكثرة وبسرعة، فمثلاً في مادة الاجتماعيات للصف الثالث المتوسط هناك تأثير إيجابي بالنسبة لمدرس المادة من خلال صغر المنهج قياساً بما كان عليه سابقاً، لكنه من جانب آخر افتقد الكثير من المعلومات العلمية والتاريخية المهمة للطالب. وفي مادة العلوم للصفين الأول والثاني المتوسط، كان تغيير المناهج سلبياً بالنسبة للمدرس والطالب في آن واحد، فبعد أن كان الطالب يدرس المنهج القديم كمادتين منفصلتين هما الفيزياء والكيمياء، كلاً على حدة، كانت المعلومات في كل منهما تشكل علماً قائماً بحد ذاته، كما كان المدرس مختصاً بالمادة التي يدرسها، أما بعد أن جرى جمعهما في كتاب واحد، وهو العلوم، فقد بدأت معاناة الطالب والمدرس.”