حرفيون: الدخلاء هم السبب الثقة الهشّة بين المواطن وأرباب الحرف

علي ناصر الكناني- تصوير: يوسف مهدي /

غالباً ما يخطر ببال أحدنا سؤال مشروع هو: متى تتعزز الثقة بين المواطنين من جهة وأرباب الحرف والمهن من جهة أخرى؟ ونعني بهم العاملين في مجال تصليح السيارات والأجهزة والمعدات المنزلية التي يستخدمها المواطن في حياته اليومية، إذ يغلب على ظن كثير من الناس أن (المصلحين) قد لا يكونون موضع ثقة عندما تسلمهم جهاز التلفزيون أو الهاتف أو أية حاجة منزلية يلزمها التصليح.
يفضل بعض الناس أن يجري التصليح أمام أعينهم إذا كان ذلك ممكناً، وقد يكون بعض هذه الشكوك صحيحاً، لكن حتما هناك كثيرٌ من أصحاب الحرف والمهن الذين نستطيع أن نأتمنهم على أجهزتنا.
ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع، أجرت “مجلة الشبكة” هذا الاستطلاع:
إجازة المهنة
روى لي صديق كان يعمل مسؤولاً عن قسم خدمات ما بعد البيع في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أنه كانت هنالك لجان كشف ومراقبة تواصل عملها ومهامها طوال أيام الاسبوع لمتابعة تطبيق القانون على أصحاب المهن المشمولة التي بلغ عددها حينذاك ثمانياً وثلاثين مهنة فضلاً عن وجود اختبار خاص لهؤلاء عن طريق مراكز التدريب التابعة للدائرة أو عن طريق الورش الفنية في بقية المحافظات سواء إعداديات الصناعة أو المؤسسات الحكومية الأخرى.
وقال: إن هناك شروطاً وإجراءات يفترض تطبيقها قبل منح الحرفي إجازة ممارسة المهنة واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين لذلك, وهي صارمة فيما إذا ارتكب الغش أو الاحتيال أو التضليل على المواطن بقصد الحصول على مبالغ أو أجور مالية غير مستحقة وخلافاً لحقيقة الأمر أو في حال انتزاعه أية آلة أو جزء صالح من الجهاز الخاص بالمواطن أو استبدال جزء آخر عاطل به أو إخفائه، فإن ذلك يعد خيانة للأمانة يُعاقب عليها بالحبس أو الغرامة.
آراء بعض أرباب الحِرَف والمهن المختلفة
بغية معرفة تفاصيل أخرى استطلعنا آراء بعض الذين التقيناهم من أصحاب الحرف والمهن, وكانت محطتنا الأولى عند الحرفي ناصر خضير عباس (أبو جعفر) مصلح الأجهزة المنزلية والكهربائية، الذي أمضى في مهنته هذه أكثر من ثلاثين عاماً بعد تخرجه في إعدادية الصناعة عام 1987، فضلاً عن اكتسابه خبرة في التصليح من جدّه ووالده اللذين كانا يعملان في تصليح مضخات الماء الكبيرة في منطقة الطارمية فقال :
– لقد تعززت خبرتي أكثر في مجال الكهرباء والميكانيك بعد عملي مع أحد المهندسين مقابل أجور زهيدة كنت أحصل عليها بهدف التعلم وزيادة مهاراتي وخبرتي في هذا الاتجاه، لأعتمد فيما بعد على نفسي بفتح ورشة صغيرة أزاول فيها عملي من دون أن أسعى للعمل الوظيفي في دوائر الدولة, وقد تمكنت -بفضل الله سبحانه- من كسب كثير من الزبائن الذين ما زالوا يترددون على ورشتي منذ سنوات طوال وحتى الآن. ويلفت أبو جعفر الانتباه إلى أن أهم صفة يجب أن يتميز بها صاحب المهنة هي الصدق في التعامل ثم المهارة في التصليح فالدقة في المواعيد، ليبعث ذلك حالة اطمئنان لدى الزبون وهو يودع لديك جهازه العاطل من دون قلق أو شك, مؤكداً ضرورة أن يتأكد المواطن أولاً من خبرة المصلح وكفاءته قبل التعامل معه، مشيراً إلى ضرورة إعادة العمل بقرار منح إجازة ممارسة المهنة وخضوع ذوي الشأن لاختبارات مستوى الكفاءة قبل منحهم الإجازة.
كما تحدثنا إلى حرفي آخر هو مصلح التلفزيونات (نزار القريشي) الذي يقول إنه مارس هذه المهنة منذ الثمانينيات إذ عمل مع عمّه المرحوم (علي القريشي) الذي يعد من قدامى المصلحين في الورشة الفنية التابعة للشركة الإفريقية التي كانت تتولى تصليح الأجهزة الكهربائية والتلفزيونات العاطلة للمواطنين بشكل مباشر نظير أجور مناسبة قياساً بالمحال الأهلية.
يضيف قائلاً: إن اشتغالي مع أحد مهندسي الإلكترونيات عزز خبرتي وكفاءتي في التصليح، فضلاً عن دراستي في الصناعات الإلكترونية في تصليح الشاشات الحديثة (البلازما) بعد انقراض التلفزيونات القديمة من أنواع جنرال وناشينال وشارب وتوشيبا وغيرها، التي ما زال كثير من الناس يحتفظون بها ويحرصون على تصليحها بين حين وآخر.
ويحدثنا القريشي عن تدني مستوى الثقة لدى بعض الناس بقوله: إن ضعف الخبرة وقلة ممارسة العمل قد أفقدا المواطن الثقة بالمصلح فضلاً عن تقاضي أجور عالية منه لا تتناسب مع نوع الخلل والعطل في جهازه, ويستذكر القريشي موقفاً لا يخلو من الطرافة والغرابة مر به، إذ يقول: في التسعينيات وفي أثناء تصليحي تلفزيوناً قديماً نوع (سيمنس) عثرت في داخله على جهاز ناظور كان قد خبأه صاحبه خوفاً من المساءلة القانونية من قبل الأجهزة الأمنية آنذاك، فسلمته إياه، وقد أعرب عن شكره وامتنانه لي وأصبح من زبائني الدائمين.
في حين يحدثنا كهربائي السيارات (ضياء جواد) الذي ورث المهنة من والده قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهو من قدامى العاملين فيها بمدينة الكاظمية عن أسباب عدم ثقة المواطن ببعض أصحاب المهن والحرف في شتى المجالات بقوله: قلة الخبرة والمهارة لدى هؤلاء الذين يعدون دخلاء على مهن لا يجيدونها في محاولة منهم للكسب السريع من دون وجه حق، واستغلال الناس الذين يلجأون إليهم لتصليح أجهزتهم العاطلة نظير أجور عالية لا تتناسب ونوع الخلل فيها، وربما لا يحتاج الأمر إلى جهود كبيرة، أو وقد يعمد بعضهم إلى استبدال مواد صالحة للعمل ظنّاً منه أنها عاطلة بحكم عدم معرفته بها.
يختم جواد حديثه بمناشدة الجهات المعنية بضرورة تفعيل قانون الضمان الاجتماعي لهذه الشريحة ومنحهم حقوقاً تقاعدية إنصافاً لهم ولعائلاتهم.