متحف العتبة الحسينية.. عندما يجتمع التاريخ بالجمال

إياد عطية – تصوير: صباح الامارة/

هدايا من ملوك وأمراء وسلاطين شغلوا الدنيا الى مرقد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) يعود أقدمها الى نحو 600 عام واخرى الى بضعة شهور، شكلت هذه الهدايا متحف العتبة الحسينية، بعد أن كانت حبيسة خزائن لايطلع عليها الا المعنيون بخدمة الروضة الحسينية. افتتح المتحف في الثالث من شعبان عام 2011 بحضور شخصيات رسمية وشعبية من مختلف انحاء العالم بعد عامين من العمل بمساعدة لجان من المتحف الوطني والمتاحف الإيطالية.

ومنذ ذلك التاريخ ولغاية إعداد هذا التقرير زار المتحف نحو خمسة ملايين شخص، بحسب احصاءات رسمية للعتبة الحسينة، اذ يحظى المتحف بإعجاب الزائرين من مختلف انحاء العالم، وتدهشهم روعة الهدايا وقيمتها التأريخية والاعتبارية.

وبينما ينشغل الزائرون برؤية الهدايا، التي لايمكن ان تقدر بثمن، فإن هناك من يتمعن بشكل المتحف وطريقة هندسته التي تشكل اسم الإمام (حسين).

فيض من القداسة

قبل ان تتجول في المقتنيات وتاريخها وأسماء أصحابها لابد أن تتوقف في مدخل المتحف، حيث ينتصب عمل فني فلسفي عبارة عن عمود مهشم قد يستند على كلمة “حسين” محاطة بكرة زجاجية.

طُلي المتحف بألوان متدرجة من الأبيض إلى الأخضر منحته عبقاً روحانياً يفيض بالقدسية والهدوء لعلها ترمز إلى حياة الإمام الحسين {عليه السلام} من الصفاء والنقاء إلى لون لباس أهل الجنة والذي ذكر في القرآن الكريم وهو لون الديمومة والحياة.

وقد ساهم فريق مساعد من المتحف العراقي وعدد من الخبراء الإيطاليين بتجهيز وصيانة الهدايا التي كانت مخزونة، وساعد هذا الفريق بتدريب طاقم من الموظفين المتخصصين لإدارته حيث خضعوا لدورات تدريبية مكثفة.

وتمثل الهدايا المعروضة جزءاً قليلاً من الهدايا للمرقد الحسيني بعد ان فقد الكثير منهاعلى مر التاريخ، إثر غزوات وعمليات نهب منذ عام 200 للهجرة ولغاية العام 1991، حيث جرى نهب هدايا ومقتنيات تعود إلى قرون عديدة ويرجع بعضها إلى سبعة قرون خلت, ومنها إبريق فخاري كان يستخدم لجلب المياه من عمق خمسة امتار وجد أثناء أعمال الصيانة التي أجريت على الضريح المقدس قرب ضريح الإمام الحسين (عليه السلام).

أغلى الهدايا

وبحسب نائب مدير المتحف فإن أغلى معروضات المتحف هي شعرة من لحية رسول الله محمد (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام)، وقد جسدت بصورة مكبرة عرضت في المتحف، لكن عرض الشعرة الأصلية يجري في المناسبات الدينية فقط، وكمية من تراب كربلاء الذي تحول الى دم في يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.

سجّاد من الكاشان والحرير من تركيا وإيران عدَّ الأكثر قدماً وقيمة وينافس بعدده سجاد مسجد {آيا صوفي} في تركيا الذي يعد اكبر موقع في العالم بحسب اليونسكو من ناحية عدد سجاده اليدوي في العالم.

وتلفت الزائرين سجادتان لعلهما أثمن سجادتين في العالم صنعتا من الحرير الطبيعي ونقشت على إحداهن بالذهب أسماء أصحاب الكساء {عليهم السلام}، وعلى السجادة الاخرى منظر طبيعي وهذه يرجع عمرها إلى 150 عاماً.

هدية من الملك

وعرض في المتحف شمعدان من الكرستال هدية من الملك فيصل الاول الى جانب هدية اخرى، شمعدان، لكنها من الذهب الخالص بزنة عشرة كيلوغرامات هي هدية من السلطان العثماني عبد الحميد باشا، وقد تعرضت هدية السلطان حميد للسرقة في عام 1991، لكن بالنظر الى وزنها الكبير عثر عليها في مكان قريب من المرقد بعد ان سرق جزء من قطعها الذهبية.

واحتل جناح الأسلحة مكاناً بارزاً من المتحف حيث عرضت الأسلحة المهداة الى الروضة والتي يعود تاريخ اقدمها الى 180 عاما خلت مهداة من ملوك وسلاطين وأمراء من إيران وتركيا والهند والباكستان.

كما تحتل هدايا أسلحة ثوار ثورة العشرين مساحة واسعة من متحف الروضة حيث قدم أحفاد الثوار أسلحة أجدادهم وآبائهم الى العتبة الحسينة.
والى جانب الأسلحة تحتل أنواع السيوف المختلفة الأشكال، كالسيوف العربية والفارسية والتركية والمغولية مكانها في ركن الاسلحة، يتوسطها تُرس يرجع تاريخه الى سبعة قرون.

وفي ركن من المتحف شغلت بندقية الشهيد القناص ابو تحسين، التي قتل بها اكثر من 200 داعشي، مكانها في المتحف، قدمت هدية من عائلته في افضل مكان يريده اهله ان يعرض فيه سلاح الشهيد الذي قاتل دفاعاً عن العراق بعد ان لبى نداء المرجعية الوطني.

كذلك يحتوي المتحف على كثير من نصوص الزيارات المكتوبة المطعّمة بالذهب وبإطارات من الفضة والنحاس والصدف والعاج ومنها زيارة جميلة تحتوي على خمس زيارات من الذهب الخالص بطريقة التخريم ومسكوكات نقدية كثيرة تعود للعهدين العباسي والساساني.

وهناك باب ينسب إلى مذبح الإمام الحسين (عليه السلام) وعمره يقارب 180 عاما مصنوع بشكل جميل من النحاس والصدف والعاج وخيوط الفضة.
وثمة منبر ملكي يعود عهده إلى شاهنشاه إيران قبل 150 عاماً يظهر شكله وطريقة صنعه مهارة كبيرة اذ لا أثر للمسامير في المنبر المصنوع من الصدف والعاج.

ومما يوجد في المتحف شباك أُهدي من الهند عام 1938م وتضرر بسبب أحداث 1991م، إضافة إلى الشباك الموضوع على الضريح المقدس قبل 1938م وأُهدي إلى سامراء، وما بقي منه الآن يذكرنا بحادثة الاعتداء على الإمامين العسكريين في سامراء عام 2005م، كما يُوجد باب الاستئذان وهو من الذهب الخالص.

الطوفان

وثمة سمكة متحجرة يقول المسؤولون عن المتحف انها تعود إلى زمن الطوفان في عهد النبي نوح {عليه السلام} وُجدت على إحدى قمم جبال المغرب وهي هدية من مواطن لبناني.

كذلك توجد في المتحف قطعة مكتوب عليها عبارة :(إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) تزن 160 كغم من الذهب الخالص كانت على الشباك المقدس وسرقت عام 1991م، لكن بعد سقوط النظام السابق استرجعها أحد محبي الإمام الحسين (عليه السلام) بعد أن اشتراها من مزاد في القاهرة.

باب التوبة

وعرضت في المتحف ستارة باب التوبة للكعبة الشريفة وهي هدية من أحد محبي الإمام الحسين للعتبة الحسينية المقدسة، وما يميزها أنها بخيوط من الذهب والفضة وإطارها من الفضة مكتوبة عليها آيات قرآنية من سورتي البقرة والأنعام, وستارة أخرى كانت موضوعة على الضريح المقدس خيوطها من الذهب وأحجارها من اللؤلؤ.

وبين اكثر المقتنيات التي يعرضها المتحف أختام اسطوانية يعود تأريخها إلى العهدين السومري والأكدي، وكذلك الكثير من الزجاجيات التي تعود إلى العهد الساساني.