حســــين نـهــابــة: الواقع الثقافي لم ولن يتأثر بالأزمات الاقتصادية أو السياسية!

حوار/ علي لفتة سعيد/
شاعر ومترجم وناشر، له رهافة المخيلة واتساع الرؤية، في الترجمة له شدة المحاججة وقوة المفردة ومخيلة العالم، ناشر له دار نشر تمكنت خلال سنوات أن تكون واحدة من أهم دور النشر العراقية، بل العربية، بعد أن اتسعت إصداراتها لتشمل نشر النصوص المترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية، ولاسيما الإسبانية، والعكس صحيح. فضلاً عن إصدار كتب بمختلف الأجناس والاختصاصات لكتاب عراقيين وعرب. إنه المترجم والشاعر والناشر (حسين نهابة)، المولود في مدينه الحلة عام 1966، الذي أنشأ مركز مؤسسته (أبجد للترجمة والنشر والتوزيع) بعيداً عن شارع المتنبي والعاصمة بغداد، بل جعله في محافظة بابل.

ترجم ثلاثة وعشرين كتاباً من اللغة الإسبانية إلى العربية، وستة عشر كتاباً من اللغة العربية إلى الإسبانية، وكتابين من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية، كما أصدر كتاب (دراسة سيميائية). إضافة إلى تسعة دواوين شعرية ومسرحيتين، وخمسة كتب تاريخية، وحاز خمس جوائز عالمية. مجلة “الشبكة العراقية” أجرت حواراً معه، ابتدأناه بسؤال:
¶ جئت من خلفية ثقافية أوربية، وتحديداً من إسبانيا، هل كان للمرجعيات تأثير على النتاج الشعري لك أم هو العكس؟
– ولدتُ في العراق وسأموت فيه. أول شهادة جامعية لي كانت من كلية اللغات – قسم اللغة الإسبانية – جامعة بغداد عام 1988، حيث درسنا الأدب الإسباني بكل أجناسه. وقبل الجامعة كنا نقرأ ما نحصل عليه من أدب مترجم وما نعثر عليه بصعوبة أحياناً. لستُ أدري أين المواطن التي تأثرتُ بها في كتاباتي بالأدب الغربي، لأن الكاتب غير واعٍ حين تأخذه غفلة الكتابة، الكاتب والقارئ يحددان ذلك، لكن أعتقد أنني مثل باقي زملائي الكتّاب نتأثر دون وعي بما نقرأ.
¶ الإنتاج الأدبي ليس مهنة، بل إنه موهبة، على الأقل بالنسبة للعرب، هل مشروعك في تأسيس دار للنشر هو مقاربة لتوسيع الوعي الثقافي وإيصال الكتاب العربي إلى مديات أوسع؟
– إن دور أية مؤسسة ثقافية هو إيصال الصوت الأدبي إلى أبعد ما تستطيع، حفاظاً على المهمة التي دخلت هذا المضمار من أجلها. مؤسسة (أبجد) للترجمة والنشر والتوزيع، هي مشروع ثقافي وليس تجارياً. أطبع للكثير من الذين يستحقون ان تُطبع كتبهم، ومن الشباب الواعدين أحياناً، مجاناً، لكني -كصاحب مشروع- أحاول أن أوازن بين هذا وذاك حتى لا تنفد الميزانية وينتهي المشروع.
¶ في كتاباتك الشعرية ثمة أثر واضح لقصيدة النثر التي تعتمد على الصورة التي تمنح الرؤية الشعرية للجملة. هل هي متبنيات كتابية خاصة، أنها أم محاولة لدمج الصورة الرؤيوية بالصورة الشعرية؟
– منذ أن تفتق لدي الوعي الكتابي، وأنا ألملمُ في أعماقي شاعراً لا يجد نفسه إلا في قصيدة النثر، لما تحمله من روح أبدية ونكهة مميزة لدى القارئ، أعتقد أن نجاح هذا النوع من الشعر هو وصوله بسهولة إلى دواخل المتلقي بمختلف أجناسه، من الناقد وحتى القارئ البسيط.
¶ تواجه قصيدة النثر هجوماً من قبل بعض الذين يعدونها نصّاً غير منضبط. كيف تراها وأنت أحد المشتغلين عليها؟
– هناك صراع دائم بين الأجيال، وهذه حالة صحية لابد من توفرها، قصيدة النثر كانت في بداية نشوئها ردة فعل على القيود التي كانت تزمّ فم الشاعر من أن يعبّر عمّا في دواخله، وليس كل ما يُقال بشأنها صحيح، ولديك الدليل على ذلك أن نسبة كبيرة جداً من القراء يُفضلون قراءة قصيدة النثر لما تحتويه من كلمات بسيطة بصور شعرية كبيرة، تدخل إلى النفس مباشرة.
¶ انت مترجم ومطلع على الأدب الغربي، برأيك، هل هناك فرق بين قصيدتي النثر الأوربية والعربية؟
– لكل لغة أدواتها، لكن بعد الثورة الإلكترونية صار العالم أصغر من قبل، قصيدة النثر هي واحدة سواء في أوربا أو في أميركا أو في العالم العربي، لكن الاختلاف يكمن في النهج الذي يتبعه الشاعر في التعبير عمّا في داخله لنشوء مدارس عدة في هذا المضمار كالسريالية وغيرها.
¶ أمام زخم الكتب التي تصدرها داركم.. هل تجد هناك حقاً نصوصاً غير منضبطة إنتاجياً؟
– الحقيقة إنني أجد نسبة ضئيلة جداً من النصوص التي تستهويني، ربما لأن الذائقة الجمالية تختلف من قارئ الى آخر. لكن لابد من وجود شعراء حقيقيين، ربما لم أقرأ لهم بعد.
¶ تشارك داركم في كثير من المعارض. ماذا تشكلت لديك من رؤية حول الكتاب ومستقبله؟
– سيظل الكتاب الورقي عطراً لا يمكن التخلي عنه مطلقاً، وأتمنى على الجميع الحضور إلى معارض الكتاب، ليروا الكم الهائل من القراء والمهتمين بالكتاب الورقي. من خلال مشاركاتي في معارض الكتاب العربية، لم أجد ما يحط من الشأن الثقافي، والدليل على ذلك أن دور النشر في ازدياد، إضافة إلى كميات الكتب التي تصدر كل عام. وهذه أبسط إشارة إلى أن الواقع الثقافي لم ولن يتأثر بما يدور حوله من أزمات، سواء اقتصادية أو سياسية. وإذا أخذنا الواقع الثقافي العراقي نموذجاً، فإنه لم ينتكس أبداً، بل ظلّ مرفوع الرأس من خلال زيادة عدد الكتّاب الذين صار لهم اسم في هذا الميدان الثقافي الشاسع، وكذلك الحال بالنسبة للواقع الثقافي العربي الذي تعدى حدود المحلية وانطلق عالمياً.