باسم عبد الحميد حمودي /
عن (مؤسسة المتوسط) صدر للباحثة المترجمة الأستاذة الدكتورة خالدة حامد كتاب تحت عنوان (الكرنفال)، يجمع مقالات ودراسات مختارة في الثقافة الشعبية.
اختارت المترجمة مجموعة أعمال للباحثين: غيرتز، وجون ستوري، وميخائيل باختين، وعبد الله حمودي، وآين آنغ. وقدم للكتاب أحمد عبد الحسين
الجدار بين ثقافتين
إن الرقي الثقافي لبعض الطبقات والفئات الاجتماعية لا يعني انهيار الجدار كاملاً بين ثقافتين وقيم مختلفة, لكن بحوث المفكرين والكتاب في حقل الفولكلور –الثقافة الشعبية- التي تحاول العودة الى الأصول وتأرختها وتحليلها، هي ما يساعد على إثراء البحث الشعبي واستجلاء مكامنه.
كانت فصول الكتاب تحت عناوين: (ما الثقافة الشعبية) لجون ستوري، أستاذ الأنثروبولوجيا ودراسات الثقافة الشعبية البريطاني, و(الكرنفال والكرنفالي) للناقد الروسي الكبير ميخائيل باختين، صاحب نظرية (المبدأ الحواري), وكذلك دراسة (نزال الديكة في جزيرة بالي بوصفه لعبة) للباحث الأمريكي الأنثروبواوجي كليفورد غيرتر، الذي ارتبط اسمه بدراسات الأنثروبولوجيا الرمزية- التأويلية، وثم بحث الأستاذ عبد الله حمودي (الأنثروبولوجيا الكولونيالية لعيد الأضحى واحتفالات التقنع)، الذي نحن بصدده, كذلك بحث الباحثة الأنثروبولوجية آين-آنغ عن (مشاهدة دالاس)، المسلسل الشهير بأسلوب أثنوغرافي.
عبد الله حمودي
الدكتور عبد الله حمودي (الدار البيضاء1962) مغربي حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع عن رسالته (المسافة والتحليل في صياغة أنثروبولوجيا عربية) 1977, وهو أستاذ في جامعة برنستون.
اعتمد الدكتور حمودي في بحثه على ملاحظات ودراسات سابقة لأساتذة في الاحتفالات التنكرية بالمغرب وفي أساليب التقنع والتضحية بالحيوان وفاء لنذر أو تنفيذاً لشعيرة, وكان من هؤلاء السادة:
إدورد ويسترمارك (1862-1929)، الفيلسوف الفنلندي المشتغل بالأثنولوجيا وأستاذ علم الاجتماع في جامعتي لندن وهلسنكي، الذي قام بدراسات في طقوس الزواج في المغرب, وفي أصول اللغة البربرية (ألأمازيغية)، وكذلك في الطقوس والمعتقدات المغربية، وفي البقايا الوثنية في الحضارة الإسلامية, إضافة الى دراساته عن الأمثال الشعبية.
ومن مصادر الباحث حمودي دراسات الكاتب أميل لاوس (1876-1952)، وهو دارس أنثروبولوجي فرنسي درس الكثير من أثنيات المغرب, وله كتب ودراسات كثيرة منها :قاموس العادات.
وتؤكد المترجمة أن الوثائق الخاصة بمصر أقل بكثير من تلك التي تخص ليبيا (أحمد أمين- قاموس العادات والتقاليد المصرية – القاهرة -1952) وكذلك كتاب أحمد شفيق (مذكرات في نصف قرن -1924).
ويسمى عيد الأضحى باللغة الأمازيغية (تفسقة)، تجري فيه احتفالات التقنع, وتورد المترجمة مصادر أخرى تعين على تطرية دراسة الأستاذ حمودي والكشف عن أضافات تالية.
يشير حمودي في المقدمة الى أن احتفالات التقنع في المغرب العربي الكبير، ودولة المغرب بشكل أخص، تستقطب اهتمام المراقبين من الخارج نهاية القرن التاسع عشر للوجود الفرنسي في المنطقة باستثناء الباحث الفنلندي إدورد ويسترمارك.
ويؤكد الباحث أن ليون الإفريقي (إلياس بن الحسن الوزان) لاحظ في بدء القرن 16 وقد أصبح مفكراً كاثوليكياً منسلخاً عن دينه الأساس, احتفالات المشاعل في فاس.
هنا يجري الخلط بين تسمية (عاشور) و(العيد الكبير)، الذي هو عيد الأضحى, على الرغم من أن (عاشور) يعد تاريخياً قبل العيد الكبير, وتجري احتفالات التقنع بين أول أيام ذي الحجة والعاشر من عاشوراء.
احتفالات التقنع
تجري المواكب واحتفالات التقنع بين عيد الأضحى والسنة الهجرية الجديدة، ولاسيما في الريف المغربي, ويجد الباحث أن هذه الاحتفالات تمتد الى أصول تاريخية وثنية قديمة، كما يشير ويسترمارك.
ويسمي الباحث موليير هذه الاحتفالات في منطقة الجبل: كرنفال منطقة الجبل, حيث تجري فيه جولة الاستجداء والتقنع، وأبطالها البابا شيخ وزوجته وما يصنعان من بذاءات, والقاضي والزنجية والآخرون المتقنعون، الذي تجري معاملتهم بسخرية من قبل الأهالي, وعندما يقوم هؤلاء بأداء الصلاة -بعد سلسلة أحكام غريبة- يؤدونها باتجاه مغاير للقبلة الإسلامية في لون من البنية الأمازيغية الموروثة للأديان القديمة.
هنا يجد موليير وويسترمارك وأضرابهما من الدارسين الكاثوليك، أن هذا الاحتجاج وصنوف الهتك في العرف وسواهما، ينبغي إثباتهما كقيمتين رافضتين للبناء الديني الإسلامي، وعلى فرنسا الكاثوليكية أن تسهم في تربية جديدة تهد هذه الفعاليات!
هذا هو جزء من مبررات التمسك بالاستحواذ الفرنسي على مناطق المغرب الكبير والجزائر وتونس. وما قيام باحثين مثل (دوتيه ولاوس) بدراسة الأديان البربرية (ونسميها نحن الأمازيغية)، إلا لصناعة نوع من التوتر بين الدين الإسلامي وهذه الأديان المتوارية إلا من بعض شعائرها المتوارثة.
إن توثيقات هؤلاء الباحثين تفيد للدرس والمقارنة أكثر من الاتجاه الكولونيالي الذي أرادته.
ويجد باحث، مثل لاووس، أن احتفالات التقنع الساخرة وطقوس احتفالات المشاعل إنما تشي بإظهار المعبودات القديمة لآلهة البربر, مؤكداً على وجود شخصيتي اليهودي، وكبش الفداء الذي سينحر تمثيلياً, وصولاً الى دراما موت الإله وبعثه, وهي دراما أسطورية تجدها تفصيلياً في الديانات الفرعونية والبابلية والأوغاريتية كما هو معروف تاريخياً, وهو أمر لا يقتصر على التجارب الأمازيغية فقط.
دراسات الأعياد
إن الدراسات المتصلة بتفاصيل الأعياد المتصلة بالتقنع في جبال الأطلس تعد ثيمة التقنع مرتبطة بموضوع قتل الإله وبعثه، وهي شعيرة موجودة في أدبيات الشعوب الزراعية القديمة التي تستدعي النماء والخصب بعد الجفاف، لكن الباحثين من دوديه الى لاووس، الى سواهما، درسوا هذه التفاصيل في موقف معاد لشعائر الدين الإسلامي وتفاصيل الأضحية والفداء فيه.
هنا يقول الأستاذ حمودي إن توصيفات دورة الاحتفال السنوي قد تسلط الضوء على الاحتفالات الفردية, ويضيف أن الأمر الأخطر من ذلك هو أن هذه الاحتفالات لم تصور أبداً كما هي على حقيقتها، ذلك أنها (بوصفها سيرورة لها ديناميتها الخاصة، وسرداً يبني نفسه بنفسه، ويشكل مواده من تفاصيل الحياة اليومية)، ليصل في النهاية الى القول:
(إن من غير المرجح أن يتمكن حقل معرفي، يغالي في الاعتماد على متفرقات وتصنيفات تقريبية، من أن يشعر بواقع حي).