حوار: علي السومري – تصوير: صباح الربيعي/
شاعر يؤمن بأن الشعر وسيلة حياة، لهذا يكتبه منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم مثلما يعيشه، وتدريسي منح طلابه حب الفن والآداب، وعلمهم طرق الإلقاء، كما أنه مثقف لم يلتزم الحياد في قضايا الوطن، فكان محتجاً ضد الظلم بالقصيدة والموقف.
إنه عمر السراي، المولود في بغداد عام 1980م، والحاصل على شهادة البكالوريوس في آداب اللغة العربية، والماجستير في الأدب الحديث من الجامعة المستنصرية، وطالب الدكتوراه في الأدب الحديث بجامعة المنصورة.
عضو المجلس المركزي والمكتب التنفيذي في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، وأحد مُؤسسي نادي الشعر فيه عام 2005م، وترأس دورتيه الثانية والسادسة، عضو المركز الثقافي العراقي البريطاني، والنقابة الوطنية للصحفيين، عمل مُحرراً صحفياً وكاتب عمود في العديد من الصُحف، وأعدّ وقدم العديد من البرامج في الفضائيات.
أصدر في الشعر مجموعات عدة، من بينها: (ساعة في زمن واقف)، و(ضفائر سلم الأحزان)، و(سماؤك قمحي)، و(طواويس ماء)، و(للدرس فقط)، و(وجه إلى السماء.. نافذة إلى الأرض)، و(وله لها)، و(حلويات).
أما في النقد، فقد أصدر كتاب (الهوية والشعر)، وله مخطوطات عدة توزعت بين النقد والمسرح وبعض سيناريوهات الأفلام، وتُرجمت أعماله إلى لغات حية عديدة.
حصل على جوائز عدة، منها جائزة الزمان للإبداع عام 2003م، وجائزة المُميزون في لبنان عام 2004م، وجائزة الصدى في الإمارات عام 2005م، وجائزة سعاد الصباح في الكويت عام 2006م، وجائزة الدولة للإبداع الشعري من وزارة الثقافة في العامين 2009 و2016م.
يعمل حالياً مُدرساً للغة العربية وآدابها– الصوت والإلقاء– السيناريو، في معهد الفنون الجميلة– بنات– الدراسة الصباحية.
ومن أجل تسليط الضوء على مُنجزه الإبداعي، أجرينا معه هذا الحوار الذي ابتدأناه بسؤال:
* ما الشعر بالنسبة لكَ؟
- الشعر بالنسبة لي وسيلة حياة، فهو الوحيد الذي استطاع أن يظل صامداً أمام موجات عاتية من التجريف الفكري الذي نعيشه، وحينما يراجع شخص مثلي مشوار حياته، سيكتشف أن بقاءه في رحاب الشعر لم يكن اختياراً، إنما وجوباً، فتشعب ما يحيط بالفرد، وكثرة التفاصيل التي تزاحم البال، كل ذلك يجعل من الشاعر سابقاً، محض شاعر حالياً.
أقول هذا القول على اعتبار أن الشاعر يمثل مرحلة في العمر الإبداعي للمُبدع، والاكتفاء بهذه المرحلة غبن للتطور المنطقي الذي يجب أن يقطفه الشاعر بعد تطور تجربته، ليكون مُفكراً بالشعر، مُتأملاً الكون عن طريقه، لكن، وبعد ضياع الكثير من العمر، وتفاقم مساحات الانشغال عن الذات بالآخر، يكتفي الشاعر بأن يظل شاعراً ليس إلا، وهذا مُنجز كبير في زمن الخسارات.
القصيدة الذكية:
* برأيك، لماذا انحسر الشعر لصالح الرواية، حتى على مستوى المطبوع ومبيعاته؟
- الشعر الجيد ما زال يمتلك رصيداً ينافس الرواية ويفوقها أحياناً، لكن المُشكلة الأكبر في أن الرواية صارت تجد رواجاً أكثر، حتى الرديئة منها مع خالص الأسف، والسبب هو أن سُرعة إيقاع الكون تتناسب عكسياً مع مزاج القراءة، فالنهار المُمتلئ بالحركة والتشظي، يدعو القارئ إلى أخذ قسط كافٍ من الهدوء، وهذا الهدوء تقدمه الرواية، بوصفها سرداً متوالياً، وثمة أمر آخر، هو أن الرواية مُنفتحة أجناسياً نحو السينما والدراما، ونحن الآن نعيش في زمنيهما، بينما ظل الشعر يراوح في إطار جمهور نخبوي، ولعل السبب الأكبر يكمن في القصيدة نفسها والشاعر نفسه، ففي وسط كل هذا الزحام المعرفي، كثيراً ما دعوت إلى (القصيدة الذكية)، وأعني بها القصيدة التي تمتلك (wifi) تستطيع عن طريقه أن تشبك نفسها بكل شبكة مُتاحة لها، فالنص الشعري حين يكون مُجرد نص شعري لا يكفي، إذ أن ثمة غناء ومسرحاً وسينما وتشكيلاً ومُوسيقى تتيح للنص أن ينفتح نحوها، وهناك إلقاء وآلية تسويق وترويج لشكل الكتاب وكيفية قراءته، وهناك صوت وإحساس وشكل، والشعر يحفل بكل هذه الأشياء ليكون مُستمراً وعامراً بالمحبة، أما الرواية، فعلى مستوى العراق تشهد تطوراً في مجال حضورها وتسويقها الأدبي، وكثرتها الحالية ستفرز نوعاً قريباً، ليعود النصاب المألوف لها، والمستوى المعروف لكتّابها.
وظيفة معرفية:
* كيف تقيّم الحركة النقدية؟ هل نجحت في تقفي آثار ما يكتب في الشعر اليوم؟
- النقد حالياً هو نقد أكاديمي بحكم كثرة الزملاء الأكاديميين المُشتغلين في مجاله، وهذا الأمر قد يُفرح للوهلة الأولى، ويحزن لوهلات كثر، فالبحث عن الناقد المُبدع ديدن لا ينتهي لدى صُنّاع الحركة الأدبية، وهذا يقتضي أنموذجاً فريداً لناقد مُتابع وراصد لآخر النظريات وما وصل إليه الفكر العالمي، فضلاً عن فتحه مجالات القراءة الحثيثة لكل ما يصدر على مستوى العراق والعالم، فالنقد تبشير أيضا، يحمل في ظل وظيفته المعرفية حواراً من نوع مُتميز مع مسؤولين في الأدب، وهذا الأمر ينبغي تطويره، لتكوين رؤية نقدية، ونظرية تحاول المتابعة من أجل الأدب، لا من أجل مراتب علمية مُرتبطة بتطور وظيفي، كما أن ثمة حاجة لناقد يجيد كتابة المقالة النقدية، لا الدراسة والبحث الأكاديمي فحسب، فالمقالة النقدية تمثل رأيا حراً سهل التقديم لخلاصة فكر كاتبها.
* هل تأثر مشروعك الأدبي بسبب انشغالك الإداري في اتحاد الأدباء أو في عملك كتدريسي في معهد الفنون الجميلة؟
-لاشك في أن يتأثر المشروع الأدبي بسبب الانشغالين الإداري والمهني، إلا إني أؤمن في أن يعمل الإنسان تحت الضغط، أفضل له من عمله من دون ضغط، فالكسل مفسدة، وعلى المرء أن يسعى للعمل ما استطاع، وأن يصرّ على تقديم مشروع خدمة فاعل يفيد الآخرين، لأنه وببساطة، لا أحد منّا – إلا القلة – يمتلك انضباطاً وقتياً يجعله يتواصل مع الكتابة الإبداعية بصورة دورية، لذلك يظل العمل الوسيلة الوحيدة لترتيب أوقاتنا، وبالتالي ترتيب ساعات الكتابة لدينا، والبحث والإنتاج الأدبيين.
* ما تقييمك لموقف المُثقف العراقي من الأحداث التي يعيشها العراق؟
- المُثقف العراقي فاعلٌ وقادرٌ ومُمتلكٌ لموقف أصيل إزاء ما يحدث في بلده، وهو مُحرّك كبير من مُحرّكات الوعي، ومؤجج كبير للرأي العام، إلا أن آفة الوسط الثقافي تكمن في قدرته الهائلة على تبرير انحراف الخط الوطني، لذلك أصبح بعض المُثقفين لقمةً سائغة لتوجهات اغتصبت الوطن وكرست وجودها بالزيف، كما مثّل أدعياء الثقافة ضداً نوعياً للأصوات الوطنية الحقة، المُثقفون العراقيون الحقيقيون الآن نجومٌ مكسوفة، بسبب الضوء الزائف لبعض مستحوذي الآراء المدعومة بالخفاء.
المثقف المتسول:
* دائماً ما نسمع عن خذلان المُثقف والفنان من دعم المؤسسات الرسمية لمشاريعهما، ماذا تقول؟
- لقد عجزت الدولة العراقية عن تشريع قوانين عادلة تدعم الثقافة، وقد تكون عبارة (عجزت) خفيفة الوطء على السلطة، فالأصح (تقصّدت)، فالثقافة منبر يهدد عروش السُلطة، التي تقوم على القمع وتسويق الخرافة، لا على المقبولية.
يبدو أن نظرة المُثقف المتسوّل هي النظرة الأمثل التي تريدها السُلطة، فهي تريد كاتباً وشاعراً مداحَين لتغدق عليهما، كما تريد مُؤسسات مُدجنة لترعاها، فقد قامت السُلطة باحتكار المال العام عن طريق قوانين حقبة الديكتاتورية، ثم عادت لتوزعها على مريديها وأنفسها بعشواء الحقبة الحالية، وظل المُثقف تائهاً وسط هيجان المُجتمع وعدم انضباطه واقتصاده الطارئ. لا حل أمام الدولة العراقية إلا عن طريق المشروع الثقافي، الذي لن يتحقق إلا بضمان استقلال المُؤسسة الثقافية، وتحرير الثقافة والإعلام من تبعات المُتنفذين.
* ما جديد عمر السراي؟
- قبل أيام أصدرت مجموعتي الشعرية الجديدة (حلويات) بعنوانها الصادم الذي أثار الكثير من اللغط، وأحضر لكتاب نقدي باسم (انفجار الهوية/ قراءة في الشعر العراقي المُعاصر- الدين، الأيديولوجيا، العنف) أتمنى أن يسعفني الوقت لإنجاز هذا الكتاب، ولا أخفيك، سيظل في القلب حلم أن أصنع فيلماً أو مسرحيةً كبيرة ذات يوم.